والركوب للسفر والهروب ، تجده ضعيفا جدا والحيوانات العجم أقوى منه وأغنى بما أمدها الله تعالى به من الأصواف والأوبار والأشعار ، مع بسطة في قوة الأجسام وسرعة الجري والطيران ، صبورة على الجوع والعطش وطويل السير ، ولو لا أن ذللها الله للبشر وأمده بسلطان العقل الذي استولى به على عوالم الكون لما كان له في أنواع الحيوان مطمع ولا منها نجاة.
كما أن الإنسان قوي بالعقل الذي ميزه به الخالق ، فدبر به شئونه الخاصة فاكتسى وتغذى ، ودون الوصول إلى هاذين الأصلين أعمال كثيرة وأدوار متعددة وفروع متشعبة. ثم اتخذ آلات الدفاع والتسلط وذلل الحيوان فامتطى غواربه ركوبا وزينة واستطاب أكل لحومه بالتربية والقنص ، واستخدم الطير مغنيا ورسولا ، فهذه حالة الإنسان مع ما سواه وكيف أمكنه بالعقل الانتفاع من الحيوان والتوقي منه. وأما مع بني جنسه فالخالق تفضل عليه بنعمة كبرى وهي النطق ، فخاطبهم بما يكنه ضميره وما يلوح للعقل تدبيره ، ولو لا ذلك لما نتجت مصالح الاجتماع التي لا تتأتى للأفراد ولبات كل واحد وشأنه هو في واد ، وغيره في واد ، فتفوت استفادة الناس من بعضهم وما يجمعون على نيله من غيرهم. ويتبين لك ضعف الإنسان بدون لسان حتى في الأشياء البسيطة المحسوسة بالعيان من قضية تبلبل الألسنة عند إشادة برج بابل لحكمة أرادها الله ، فقد حال عدم التفاهم دون إنجاز المشروع. لذلك كانت وحدة اللغة في الأمم جامعة متينة وهذا برهانها. ومعنى قولهم الآن في اختلاف الآراء افتراق الكلمة ينطبق حتى على الاختلاف في اللغة بمعنى الكلمة. فالإنسان بلسانه الذي جعله كجزء من أفراد بني جنسه قوي بذلك الجموع البشري ، الذي هو كالبنيان المرصوص والحصن المتين يشد بعضه بعضا. فما أحسن جامعة الإنسان وما أحصنها ، وما أسعد الإنسان بعقله ولسانه متى استعملها فيما خلقا لأجله ، وما أكبر نعمة الله عليه بهما. وهو بدون تدبير العقل لا يكون في أمن ولا راحة من نوائب الدهر وغائلات العوالم والطبيعة معا ، وبدون مفاهمات اللسان ليست له جامعة ولا ينتج من وجوده في الكون فائدة. فبالتعقل والتدبر حصل الإنسان المزايا الخاصة لبعض الحيوانات وغالب الطبيعة وأبرز أسرار الكائنات. اخترع الكهرباء فاستعاض بنورها عن الشمس وبحرارتها عن النار وبقوتها على البخار ، فجرى بها في بيت