أصحبنا السيد بابنه على عربته فطفنا بالبستان بين جداول المياه وظلال الأشجار وصفير نوع من الطير يسمى عندهم «ميرل». وحملنا صاحب هذا البستان أيادي الإكرام مع تحيات إلى بعض أصدقائه من أعيان الفرنساويين بتونس. بالزاك الروائي ، الذي دخلنا بيته في قصر السيد ديزفليز حول إيسودان ، ولد في تور في مبدأ الحرية بفرانسا سنة ١٧٩٩ ـ ١٨٥٠ وأكثر ما يكون النبوغ في الأفراد عند مبادي نهضة الأمة ومن الذين شبوا بلبان الدور الجديد ، وإنما العلوم تنضج في الجيل الثاني غير أن منفعة الجيل الأول أكثر ، ونوابغهم أشهر ، لما لهم من مضاء العزيمة والنفوس العصامية. انظر إلى الطبقة الأولى من تلامذة المدرسة الصادقية وكذلك الخلدونية واختبر أفراد الجيل الحاضر وهم الذين شبوا في التاريخ الجديد للمملكة التونسية تجد ما قررناه لك.
وأوضح من ذلك أن كل أمة وكل عائلة لها شباب وهو مبدأ أمرها وقوة سيرها ، والشباب بالنابغين والشيخوخة بالجامدين.
كان بالزاك كاتبا معينا لبعض العدول ثم ولع بالكتابة مثلما ولع الفقر المدقع بمصاحبته ليأخذ حظه منه قبل أن تدفعه عنه في آخر عمره علومه وسمعته. ومقابلة أمته له بتقديره حق قدره ، والنبوغ في التحصيل من قديم لأبناء الفقراء. ألف كثيرا في الفلسفة والروايات والانتقاد وأطوار الحياة في الحواضر والبوادي وفي الغرام ، ومبادي الدخول في معترك الحياة. ورغبت تآليفه وبذل فيها المال سلفا قبل إتمام إبرازها ، وذلك مما زاد في نشاطه إلى أن صار كأنما قلمه متخذ من الكهرباء وفيه ما فيها من المنافع مثل (١) السرعة (٢) وإضاءة الأفكار (٣) ونسمات الحرية في الصدع بما في الخاطر (٤) وحرارة التأثير على العقول. وكان مقداما على الأعمال والأقوال وأقام في هذا القصر من عام ١٨٣٥ إلى عام ١٨٤٠. وقد قدر لنا أن دخلنا بيته ورأينا صورته والقوم لهم عناية بحفظ الآثار. واعتبار أرباب الأفكار. سكان إيسودان أهل عناية بالغريب ومن أكثر الناس إكراما للضيف ، فإليهم الشكر عما صنعوه معنا وأخص منهم صديقنا الدكتور كيوم والسيد ديزيكليز ، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان أنشدنا من شعر الجاهلية ما عفا الله عنا فيه ، فأنشده قصيدة الأعشى التي يهجو بها علقمة بن علاثة ويفضل عليه عامر بن الطفيل حين تنازعا الشرف في الجاهلية. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا