من أجل ذلك تصير المدينة أكبر من الساكن كثوب الرجل يتمشى فيه الصبي.
هذا ماديا ، وأما أدبيا فإن الخبر يكون أقل من الخبر ، والنفس عندها منزلة السمع دون البصر ، فلا يرضيها ما كان الحديث عنه أكثر مما يشاهد. موقع طولوز في فحص متسع وارتفاعها ١٣٣ م على البحر ، ونهر كارون يأتيها من الجنوب الغربي ثم يذهب في الشمال ما بين قنطرة صان ميشيال والقنطرة الجديدة ، ثم يتجافى عن المدينة إلى الشمال الغربي وقد اقتطع من غربي المدينة ربض صان سيبريان ، وفي شمالها وشرقيها قنال كالهلال جزناه لما نزلنا من محطة سكة الحديد الشرقية الشمالية من البلاد وقصدت بطحاء لافايايت حيث نزلنا أتيل كابول. بناءات المدينة بالآجر الأحمر ولهذا يشبهونها بالوردة. وفي وسط المدينة بطحاء الكابيتول الشهير تتصل بها الشوارع العظمى. وجدنا في البطايح بايعات الخضر وغيرها نسوة والمبيعات ملقاة على الأرض. مرت بنا في سكك المدينة عربات بها شبان يحملون أزهارا كثيرة يوزعونها على الديار ويجمعون بذلك مالا يصرفونه في إحياء بعض الليالي باللهو والرقص والقصف. فقلت ليتهم أنفقوا هذا المال على بناء أو مظلات تقي من الحر والقر هؤلاء النسوة البائسات البايعات وحفظا أيضا للمبيعات. شرحت لي هاته العادة في جمع المال عائلة دوبورداين الذين تلقوني وأطلعوني على المهم بالمدينة وأكرموا نزلي فلهم مني الشكر الجميل.
النسوة في طولوز على خلاف بقية البلدان ، فيظهر عليهن الفقر والتعاسة بتعاطيهن الأعمال المبذولة البسيطة فيبعن الخضر تحت حر الشمس وكذلك الأقمشة وأدوات الخياطة كالبايعين بالشارع الجوفي من فندق الغلة بتونس. وتستعمل النسوة مظلات كبرى بيضاء وأرباب العربات مظلات كذلك زرقاء وقاية من حر درجته ٢٢ ، فلو أتاهم حر بلادنا ضعف ذلك أربعة وأربعين درجة للازموا الإقامة تحت السقوف ، وانحجروا في الكهوف. وتباشر النسوة غسل الثياب بالأرض على شفير نهر الكارون وصيد حيوانات البحر من الخلجان القذرة جوفي المدينة. وهن على أبواب الكنائس سائلات وينسجن الجوارب السود في الطرقات. وأغرب من ذلك «وشأن المرأة غريب في طولوز» أن نساء طولوز ممتلئات الأجسام لحما وثيابا يظاهرن بينها ويظهر العرج فيهن كثيرا ، فتراهن ظالعات ضليعات ولهن شوارب كالرجال ولحى يخلفن فيها كثرة