ويطمس بلاغتها ويتنقصها من أطرافها ويصحفها ، فيستمر على ذلك من أتى من بعده. والعجب أن يجاريه على لحنه ابن تلك اللغة نفسها في النطق بها محرفة ، إما لتعوّد سماعه ذلك وانطباع تلك الأوزان في حافظته «واللسان ترجمان» ، وإما أن يتعمد مجاراة الدخيل على التحريف ومحاكاته رجاء أن يفهمه المراد بسهولة. وذلك ما أودى باللغة العربية وصيرها في السنة العامة لغة أخرى ، وكاد أن يقيم على أطلالها أشباح تلك الكلمات المحرفة لو لا متانة بنائها الذي لا يزال يقاوم طول الزمان وعادية الإنسان. واحتماؤها من مقذوفاتهما بسلاح الدين وتاريخ الناطقين بالضاد.
واللغات صعبة النطق في المبادي على الدخيل بالمشاهدة. وبدون تعميم قواعد اللغة على كافة الأفراد وعدم تلقين الدخيل ما يراد استوى في التهاون والتلاعب بها الحاضر والبادي.
وإحياء اللغة واتفاق الناطقين بالضاد في النطق والكتابة يتوقف على تعميم التعليم وتمرين التلامذة على التخاطب بالتراكيب العربية. وانتشار المطبوعات في كل موضوع وحضور التمثيل المرتب وقاموس مختصر تؤخذ مفرداته من الكتاب والسنة ولسان العرب ، ويوضع فيه لكل معنى لفظ واحد وتؤلف من تلك الألفاظ رسائل في مبادي العلوم تلم بما في ذلك القاموس من المفردات ولا تتجاوزه حتى تتحد معلومات التلامذة وطبقات الأمة بما فيه ، ويكون مرجعا حتى في المكاتبات. ومن أراد التوسع في غريب اللغة فعليه بالمطالعة حيث لا يضر في بعض الأزمنة الجهل بكثير من مفردات اللغة التي عوضت بغيرها أو الاقتصار على بعض المواد في الدلالة على المعنى المراد. فقد هجرت ألفاظ كثيرة عربية وصعب فهم معانيه الاستعمال غيرها واشتهاره في بعض العصور.
وتحتاج هذه التآليف إلى لجنة علمية ، وعلى كل حال فاللغة العربية هي حية ، وحياتها باقية ما بقي الجنس العربي حيا ، كما أن حياة الجنس الأدبية باقية ما بقيت لغة دينه وتاريخه وآدابه في رواج. والعوام الآن من أطراف البادية يفهمون ألفاظ العالم اللغوي ومقاصد الكتب العربية ، لكن بقوة الفهم لتقارب غالب الألفاظ العربية والعامية ، وغاية ما يعوزهم بعض المفردات وأسلوب التركيب. أما رجوع رونقها البديع بهمة حملة العلوم ورجال المعارف فليس بصعب المنال على عزائم الرجال.