في العمل بها أو فهم معناها كأنها اللغة العربية في مواطن الإيجاز متى اقتضاه الحال ، أو على لسان صياد يقول : «غزال». فيوجزون مع الفائدة ويسمى عندهم هذا الكلام «لاكونيك» ، حيث أهالي لاكونيا «إقليم إسبرطة باليونان» أصحاب إيجاز في التخاطب. رأيت أبناء هذا الجنس يهجمون على مواضيع الكلام بدون مقدمات طويلة أو خروجات فارغة ، وأكثر مفاهماتهم في النوازل وقضاء الحوائج وإبرام الاتفاق على الملاقاة بالرسائل التي تصل إلى المخاطب بها بسرعة إذا كانت عليها تنابر ذات سانتيمات ٣٠. والقوم يكتب رجالهم ونساؤهم لعموم التعليم ومراعى عندهم احترام الكتاب برد الجواب ، وسائر الطبقات سواء في مراعاة هاته الآداب. وبذلك يختصر الوقت في الذهاب والإياب ولا يضيع بتعذر الملاقاة وتقضية وقت ثقيل في الانتظار بدون سابقة اتفاق على الاجتماع. ولما يعلم الجميع من نفاسة الوقت تجدهم يوجزون في الحديث ويقتصرون على المهم المفيد في ذلك الموضوع. وأبو الحسن المزني يقول : من دخل على السادة فعليه تخفيف السلام ، وتقليل الكلام ، وتعجيل القيام. ولا يقطعون حديث متكلم حتى يستوفي غرضه ، ولا يباشرون من غلط بمكروه وإنما يشيرون لذلك بلطف ، أما المتعنت فلا يجادلونه ويضيعون أوقاتهم معه. ولهم مواضيع خاصة يطيلون فيها الكلام مع الإفادة في مثل أوقات السمر ومجالس العلم وحديث المائدة. وهذا من قواعد اللغة العربية وبلاغتها في إطالة النفس وجلب ما يستحسن والإطناب بما يناسب المقام حيث الإصغاء مطلوب. وهي لا تعدم أنصارا إلى الآن «والحمد لله» في الهجوم على المقصد والإفصاح عن المراد والإعراب عما في الضمير بألفاظ عذبة وجمل قليلة ، وهاته الملكة ليست من العلم باللغة فقط ، بل من آداب الاجتماع أيضا ومروءة المتكلم والاشتغال بما يعني واعتبار قيمة الزمان. والذي أعانهم على سهولة التفاهم بين سائر الطبقات هو التعليم الصحيح لقواعد اللغة وحسن الأسلوب وتعميم القراءة والكتابة على الذكور والإناث. فمعلومات سائر الأفراد في قواعد اللغة واحدة ، وبذلك سهلت المفاهمة باللسان والقلم بدون خفاء ولا لبس.
وحفظت اللغة بذلك من التحريف الذي يطرأ على اللغات حتى من ألسن أبنائها إذا كان أخذهم لها من الأم والأب فقط بدون تعليم صحيح بعد ذلك. والآفة الكبرى على اللغة لسان الدخيل الذي يلوكها كما شاء وينطق بها كما أراد ، فيضيع لهجتها