الحال وانعكست القضية ، وما بالطبع لا يتخلف. فاضطربت السفينة وغلقت شبابيك غرف النوم لأن شرب الماء المالح لا ينطبق على صحتها :
ومخالط السلطان مثل سفينة |
|
في البحر ترعد دائما من خوفه |
إن أدخلت من مائه في جوفها |
|
آوى بها مع مائها في جوفه |
فكأنه يعاملها بشريعة المصريين إذ كانوا يعاقبون السارق بأن يسترق طول دهره ، كما قصته علينا سورة يوسف ، فصعدت إلى الطبقة العليا وبها بيوت الأكل والجلوس منظمة بأحسن من بيوت المنازل البرية ، وكلما زاد النهار ازداد الاضطراب وأتعب الدوار الركاب وبالأخص أصحاب الدرجة الرابعة الذين على سطح السفينة ، فقد ابتلت حقائبهم وأمتعتهم التي طفت عليها الأمواج ، فأصعدوهم على سطح بيوت الأكل ومجالس الراحة بعدا عن تيار الماء واختطاف الأمواج حيث مجالس الرتبة الأولى والثانية بأسفل بطن السفينة ، وأما الرتب الأخيرة والرخيصة ففي أعلاها عرضة للحر والقر. وكذلك مجالس التمثيل حيث أهل الدرجة الأولى ينظرون للمرسح وأدوار الرواية أفقيا على مساواة سطح مجالسهم. وصار منظر السفينة محزنا حيث لا يرى إلا ركاب مبتلي الثياب وآخرون بدواير السفينة يتجرعون ما في بطونهم من آلام الدوار ، والبعض ملقى على الكراسي والكنبيات لا حراك به ، وطائفة على الأرض تئن بدون أن تقدر على الوقوف ، ومنهم من يحاول المشي نازلا إلى الطبقة السفلى التي بها غرف النوم وبيوت التطهير ، والبعض يعاني الصعود للجلوس في الطبقة العليا استنشاقا للهواء. وبالجملة (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) ولكن دوار البحر شديد ، وتحقق قول الشاعر :
ترى متنه سهلا إذا الريح أقلعت |
|
وإن عصفت فالسهل منه وعور |
حاولت في أول الأمر الثبات وعدم الاكتراث وكنت لا أعرف معنى لآلام الدوار