الزوال بتونس والقيروان ووقته سابق بنحو ربع الساعة أو ثلاثة أرباعها بحسب تنقلات الشمس وتباعد خطوط الزوال في أواسط الكرة وتقاربها في أطرافها على ما اقتضاه شكلها الكروي السابح في الفضاء كبقية الكواكب. (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ودامت السفينة في القنال بين الرصيف وحلق الوادي نحو نصف ساعة.
خاضت غدير الماء سابحة بها |
|
فكأنما هي في سراب أينقا |
كانت سرعة سير السفينة ثلاثة عشر ميلا بحريا وهي أربعة وعشرون كيلوميترو والميل البحري ١٨٥٠ مترا. ولسير السفن في البحر حساب خاص فيعبرون على مسافة خمسة عشر ميترو وكسر بالنو «عقدة». والميل البحري مركب من مائة وعشرين «نوا» ولما كانت الساعة بها ستون دقيقة قسموها إلى مائة وعشرين مثل أجزاء الميل البحري ، فكان الجزء من الساعة لأجل ذلك عبارة عن نصف دقيقة وبها يحسبون ما تقطعه السفينة من عدد «العقدات». فسفينة الجزاير تقطع ١٣ نوا أي في نصف الدقيقة وذلك عبارة عن ١٣ ميلا بحريا في الساعة المساوية لأربعة وثلاثين كيلوميتر من حساب مسافات البر. وعدد المستخدمين بالسفينة تسعون وصنعها كان عام ١٨٩٠. وقوتها ثلاثة آلاف وخمسمائة فرس ولها تلغراف بدون سلك وبها فرش ٩٥ في الدرجة الأولى وفي الثانية ٨٧ وفي الثالثة ٤٢ ، على عكس المجالس في قطارات البر حيث تكون الرتبة الثالثة أكثر ثم الثانية ثم الأولى ـ وهاته الشركة فرانساوية رأس مالها ثمانون مليونا ، وابتداء أعمالها في البحر المتوسط من سنة ١٨٨٠ ولها فيه عشرون سفينة جايلة ، وعلى جميع سطح البحار في العالم لها ٧٨ سفينة.
قضينا عشية اليوم والسمر بالليل في هدو وطيب هواء وراحة بال ، وشكرنا البحر وعجبنا من عظمته وتلونات مائه وامتداد سطحه والتصاق آفاقه بالأفلاك. فكان مثله مثل الحليم في قدرته أو العالم مع صغار تلامذته ، يبدي لهم ألوانا من المسايل بحسب ما يراه فيهم من القابلية وتفاوت الأهلية. وعندما غابت الشمس في لججه غاب عنها معها حسن ذلك المنظر الذي راق لنا للمرة الأولى. وكان البحر أسدل علينا ستار الليل ليستحضر رواية عجائبه ويمثلها لنا في الغد. ففي آخر الليل انقلب