وقد كانت الأرض في آماد ـ لا يمكن أن يتصوّر العقل عددها ولا مددها ـ كتلة مشتعلة بدون حياة ، ثم مضى عليها آماد بقدر الأولى ، وهي جامدة غاية ما فيها من الحياة جراثيم في غاية الصغر ، تحتوي عليها أصغر نقطة من الماء ، ولكن بعد ذلك دبت الحياة في الأرض ، ووجدت المخلوقات الدابة ، بدليل أنّهم عثروا في هذه الصخور الأصلية الرسوبية على مواد رصاصية ، وعلى أكسيد الحديد الأحمر والأسود ، مما استنتجوا منه سبق خلائق حية ، إذ لا يمكن أن تكون هذه المواد إلا بقايا خلائق كهذه.
ونقول باختصار : إنّ تاريخ دبيب الحياة على الأرض مقترن بتاريخ تجمّد الصخور ، فالكرة [الأرضية] كانت سديما ، فصارت ماء ، إلى أن صارت جمادا ، إلى أن خرج من الجماد النبات فالحيوان ، وقد كان هذا التحوّل فيها يميلها من الحرارة إلى البرودة بتوالي الدهور.
والجيولوجيون يرون أنّ هذه البرودة ستزداد إلى حد أنّه ـ بعد ملايين وملايين من السنين ـ يموت كلّ ما على وجه الأرض من الخلائق الحيّة (١).
__________________
(١) هذا التقدير الذي يقدّرونه لحياة الأحياء على هذه الأرض هو من قبيل تقدير العمر الطبيعي لكلّ حي بحسب استعداده للحياة ، بمقتضى النظام الذي عرف بالاختبار في استكمال نمو جنسه ، وأطوار طفولته وشبابه وكهولته وشيخوخته.
ولكنّ العمر الطبيعي المقدّر في ذلك غير العمر الحقيقي ، الذي تحول دون وصوله إلى العمر الطبيعي بعض الأقدار الإلهية من قتل أو وباء أو مرض لا يوفّق لمعالجته ، بما يكون سبب الشفاء ، كما وفّق الأمير أطال الله حياته بالصحة والعافية.
كذلك الأرض ، يظهر من نصوص كتاب الله خالقها أنّ لها عمرا ينتهي بقيام الساعة التي قال فيها : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف : ١٨٧] ووردت آيات متعددة ناطقة بأنّ ذلك يكون بقارعة تقرعها ، وصاخّة تصخّها ، فتكون هباء