أبعد من السماء عن الأرض (١) والكتاب في محكم آياته قد تأيّد بظهور النظريات العلمية العصرية ، التي أجمعت على الرأي السديمي في مبدأ التكوين ، وأثبتت أنّ هناك كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّه أشار بكلمات موجزات تلخّص فيها الرأي السديمي الذي أجمعوا عليه في هذا العصر ، على حين أنّه في زمن نزول القرآن لم يكن رأي سديمي ولا شيء من هذه النظريات ، وكان الذي أنزلت عليه هذه الآيات أميّا لا يقرأ ولا يكتب.
ومن أراد أن يعلم معجزات القرآن من جهة سبقه إلى ذكر النواميس الطبيعية التي عوّل عليها العلماء اليوم في أمر التكوين ، فليقرأ كتاب «سرائر القرآن» للغازي الفلكي الرياضي أحمد مختار باشا رحمهالله (٢).
__________________
(١) لقد كان للأمير مندوحة عن تخطئة هذا التفسير للآية بالاستدلال على الرأي السديمي في التكوين بقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] فهي نصّ في التكوين من الدخان ، الذي يطلق على بخار الماء ، وفسر به في الآية وعلى ما يشبهه.
[أما] الآية التي ذكرها [الدخان : ١٠] فموضوع الدخان أمر يرتقب حصوله في المستقبل ، وفيه قولان مشهوران مرويان لا رأيان للمفسرين.
الأول : ما ذكره الكاتب مجملا ، وهو مرويّ على أنّه سبب لنزول الآية في «الصحيحين» [خ (٤٥٤٨) م (٢٧٩٨)] عن ابن مسعود رضياللهعنه.
والثاني : أنّه دخان يكون من أشراط الساعة ، وفيه عدة أحاديث ، مصححه.
(٢) قد سبقنا أحمد مختار باشا إلى بيان كثير من هذ المسائل في «المنار» وفي «تفسيره» ، مصححه.