أما أبو نواس فيجوز أن يكون قال للرشيد هذا وأكثر منه ، لكن بدون أن يكون الأوزاعيّ حاضرا.
وكيف كان الأمر ، فكان السواد شعار العباسيين ، وكان يقال لهم المسوّدة ، وكان الخلفاء العباسيون يخلعون حلل السواد على من ينتسب إليهم ، أو ينال الحظوة عندهم ، جاء في «تاريخ الأعيان في جبل لبنان» للشيخ طنوس الشدياق والمعلم بطرس البستاني أنّه لما وقع القتال على نهر بيروت بين المردة والأمير النعمان بن الأمير عامر بن الأمير هاني بن أرسلان ، وهزم الأمير النعمان المردة ، وقتل بعضا ، وأسر بعضا ، وكتب إلى موسى بن بغا في بغداد يخبره ، وأرسل الرؤوس والأسرى إلى بغداد ، عرض موسى ذلك على الخليفة المتوكل ، فكتب إليه المتوكّل كتابا يمدح شجاعته ، ويحرّضه على القتال ، وأقرّه على ولايته تقريرا له ولذريته ، وأرسل له سيفا ومنطقة وشاشا أسود ، وكتب إليه ابنه الموفق وغيره كتبا يمدحونه بها ، وأعاد رسله مكرّمين ، فتقلّد الأمير السيف ، وشد المنطقة ، ولفّ الشاش ، ودعا لأمير المؤمنين ، وزينت البلاد. الخ وهذه الرواية محّررة ، لكن باختصار في سجلّ نسبنا الأرسلاني.
والخلاصة أنّ بني العباس أرادوا أن يتميزوا بشعار فجعلوه السواد ، اقتداء بجدهم عبد الله بن عباس ، الذي اقتدى بابن عمه صلىاللهعليهوسلم في اعتمامه بالسواد يوم فتح مكة.
ومناقب عبد الله بن عباس كثيرة ، وأقواله مأثورة ، ومما ينسب إليه : مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء ليلة.
ويروى عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : ما رأيت أحدا أحضر فهما ، ولا ألبّ لبا ، ولا أكثر علما ، ولا أوسع حلما من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ، فيقول : قد جاءتك معضلة ، ثم لا يجاوز قوله ، وإنّ حوله لأهل بدر.
وقيل : إنّ بعضهم وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم فقال