هذا بالإضافة إلى أن الضحاك ، وابن عباس ، وقتادة ، وابن الزبير وغيرهم ، قد ذكروا أنها مدنية.
وإذا كانت مدنية ، فهذا يعني : أن هذه الآية قد نزلت بعد قصة الغرانيق بسنوات عديدة ، لأن قصة الغرانيق قد حصلت!! في السنة الخامسة من البعثة ، فكيف أخر الله تسلية وتهدئة خاطر الرسول هذه السنين الطويلة؟!. على أن معنى الآية لا ينسجم مع مفاد الرواية ، فإن التمني هو تشهي حصول أمر محبوب ومرغوب فيه ، فالرسول إنما يتشهى ويتمنى ما يتناسب مع وظيفته كرسول ، وأعظم أمنية لإنسان كهذا هي ظهور الحق والهدى ، وطمس الباطل وكلمة الهوى فيلقي الشيطان بغوايته للناس ما يشوش هذه الأمنية ، ويكون فتنة للذين في قلوبهم مرض ، كما ألقى فيما بين أمة موسى من الغواية ما ألقى ، فينسخ الله بنور الهدى غواية الشيطان ، ويظهر الحق للعقول السليمة.
وأما لو أردنا تطبيق الآية على ما يقولون ، فإن المراد بالتمني يكون هو القراءة والتلاوة وهو معنى شاذ غريب ، يخالف الوضع اللغوي وظاهر اللفظ ، ولا نشك في أنه تفسير موضوع ومفتعل ليوافق الرواية المزعومة.
أما الشعر المنقول عن حسان بن ثابت ، كشاهد على ذلك (١).
فنعتقد : أنه مصنوع ومنسوب إليه للغرض نفسه ، وما أكثر ما نجده
__________________
(١) ففي تنزيه الأنبياء ص ١٠٧ : أن حسان بن ثابت قال :
تمنى كتاب الله أول ليله |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
على أن من الممكن أن يكون المقصود بالتمني هنا حب ذلك والشوق إليه.