حفر الخندق.
وتتفق هذه النصوص : على أنها كانت مشاركة فعالة وحقيقية وجدية. وما نريد أن نلفت النظر إليه هنا هو :
ألف : إن هذه المشاركة لم تكن شكلية ، ومجرد تمثيل ، كما عهدناه وألفناه من رؤساء الجمهوريات والوزراء وكبار المسؤولين في عصرنا الحاضر ، حيث يضرب أحدهم بالمعول مثلا ضربات أمام الجماهير في احتفال تكريمي ليظهر على شاشات التلفزيون ، وعلى صفحات الجرائد في استعراض إعلامي مزيف ، يهدف إلى تكريس زعامته ونفوذه ، ولا شيء غير ذلك ، ثم يتابع رقابته على العمل والعاملين من موقع الأمر ، من قصره المنيف ، أو من برجه العاجي الزاهر. فجاءت مشاركة النبي الأكرم «صلىاللهعليهوآله» في حفر الخندق بصيغة المعاناة الحقيقية والصادقة ، التي تمثل الأسوة في المعاناة الكادحة لا مجرد الرمز والمثال.
ولنسمع النشيد العفوي والصادق :
لئن قعدنا والنبي يعمل |
|
لذاك منا العمل المضلل |
يقول البعض : «إن التاريخ لم يدون لنا غير حادثة مفردة عن شخصية كان لها سلطان روحي وزمني أيضا على أمة من الأمم. ومع ذلك فقد عملت مثل عامل عادي ، وجنبا إلى جنب مع أتباعها في ساعة الحرج الوطني العظيم» (١).
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤٧ وراجع : الإمتاع ج ١ ص ٢٢١ وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٩٩.