ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).
حيث دلت هذه الآيات المباركات : على أن عليه «صلىاللهعليهوآله» أن يقدم على هذا الأمر برضا نفس ، وبسكينة تامة ، وأن لا يخشى أحدا من الناس فيه. فإن تشنيعاتهم لا تصل إلى نتيجة.
كما أن الحسيب الذي لا يحيف ، ويزن بميزان الحق والعدل هو الله وحده. أما البشر فإنهم يخلطون الحق بالباطل ، وتتدخل أهواؤهم ومصالحهم ، وعصبياتهم في حساباتهم ، وفي محاسباتهم ، فلا عبرة بها ، فما عليه إلا أن يعرض عنها ، فلا يقيم لها وزنا ، وعليه أن يكتفي بمراعاة جانب الحسيب الصادق والعادل ، والدقيق ، وهو الله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).
فاتضح : أن هذه الآيات المباركات ليس فقط لا تتضمن ذما ولا لوما لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وإنما هي تعلن بمدحه ، وسمو مقامه ، وهي تبرّئه مما قد ينسبه إليه الجاهلون والمغرضون ، والحاقدون ، والذين في قلوبهم مرض.
لأنها تضمنت الإلماح إلى أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يخشى من تطاول الناس على مقام النبوة الأقدس ، وأن ينالوه بمقالاتهم القبيحة ، الأمر الذي يحمل معه أخطار الحد من قدرته على نشر كلمة الله تعالى فيهم ، وفي غيرهم ممن بعثه الله تعالى إليهم.
فجاء التطمين الإلهي ليقول له : إن الله هو المتكفل برد عاديتهم ، وإبطال كيدهم ، فلا داعي للخوف ولا مجال للتحرج في هذا الأمر.