ولعل السبب في التشدد في هذا الأمر ، هو : أنها إذا كانت قد وهبت نفسها له «صلىاللهعليهوآله» ، فإن مقتضى الهبة هو : أن يتصرف الموهوب له بالهبة كيف يشاء ، فلا معنى لغضبها من أمر هي أوجدت له المبرر ، وهيأت له صفة المشروعية! وهل كانت تمزح حين أقدمت على هبة نفسها لرسول الله «صلىاللهعليهوآله».
على أن من يقدم على أمر ، فإن عليه أن يتحمل تبعاته ، حتى لو كان جاهلا بها ، فإن من يشرب السم ، لا بد أن يموت حتى لو كان جاهلا بكونه سما .. كما أن من يفطر عامدا عالما بالحرمة في شهر رمضان ، فإن عليه الكفارة حتى لو لم يعلم مقدارها.
وأما ما اعتذرت به تلك المرأة من أنها أرادت نفس الرسول «صلىاللهعليهوآله» ، فهو غير مقبول منها ، لأن الواهب لا يحدد للموهوب كيفيات تصرفه بما ملّكه إياه.
ثانيا : إنه حتى لو كانت الآية قد نزلت في زينب بنت جحش ، فإن ذلك لا ينافي العدل ، ولا يخرج زينب عن دائرة الاختيار إلى الإلجاء والاضطرار ، فإن ما فعله الرسول «صلىاللهعليهوآله» ما زاد على أن خطب زينب لزيد ، وقد أخبرها «صلىاللهعليهوآله» : أنه قد رضيه لها.
وقد صرحت بعض النصوص : أنها كانت هي التي طلبت من النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يختار لها من شاء ، وأنها قالت : زوجني من شئت ، فأشار بزيد.
فكيف يصح منها هذا التفويض لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، أو التوكيل ، ثم ترفض ما صنعه ذلك المفوّض والوكيل؟!