والتحقيق أن يقال : إنّه لو كانت الغاية غاية للحكم فلا شكّ في الدلالة ، كما في قوله : «كلّ شيء حلال حتّى تعلم انّه حرام» فانّ الغاية غاية للحكم بالحلية كما هي غاية للحكم بالطّهارة في قوله : «كلّ شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر» فادّعاء التبادر في أمثال ذلك ممّا لا إشكال فيه.
وأمّا إذا كانت الغاية قيداً للموضوع ومحدِّداً له كما في قولك : «سر من البصرة إلى الكوفة» فإنّه بمنزلة أن يقال : السير من البصرة إلى الكوفة واجب ، ومثله قوله سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (١) فانّه بمنزلة أن يقال : غسل الأيدي إلى المرافق واجب ، فالظاهر عدم الدلالة على المفهوم ، إذ غاية الأمر أنّ الموضوع المقيد محكوم بالحكم ، وأمّا عدم الحكم على الموضوع عند انتفاء القيد ، فلا يدلّ عليه لعدم وضع لذلك ، إلّا إذا قلنا بدلالة كلّ قيد على المفهوم كمفهوم الوصف.
حكم نفس الغاية
ما ذكرناه راجع إلى حكم ما بعد الغاية ، وأمّا الكلام في نفس الغاية فهل هي داخلة في حكم المغيّى أو خارجة عنه؟
فذهب المحقّق الخراساني والسيّد الإمام الخميني إلى خروجها أيضاً ، ففي مثله قوله سبحانه : ((فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)، فالواجب هو دون المرفق ، وأمّا نفس المرفق فهو خارج عن وجوب الغسل ، اللهمّ إلّا لأجل تحصيل اليقين بغسل ما دون المرفق واستدلّ عليه الرضي بأنّ الغاية حدّ الشيء وحدود الشيء خارجة عنه.
والأولى أن يستدلّ بالتبادر فانّ المتبادر من قوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٢) فانّ المتبادر هو
__________________
(١) المائدة : ٦.
(٢) القدر : ٥٤.