الأقوال وأسدِّها بل هو المتعيّن ، وإليك بيانه.
القول الرابع : إنّ هذه الألفاظ كما كانت حقائق في المعاني اللغوية كذلك كانت حقائق في هذه المعاني الشرعية أيضاً قبل بعثة النبي ونزول القرآن عليه ، وذلك لأنّ هذه العبادات لم تكن من ابتكارات الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، بل كانت موجودة في الشرائع السابقة ، ومن البعيد جدّاً أن لا يكون في لغة العرب لفظ يعبر عن هذه المعاني وقد كان في الجاهليّة حنفاء يصلّون ويحجّون.
ويشهد على ذلك أي كون تلك الحقائق موجودة في الشرائع السابقة الآيات التالية :
قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).(١)
وقال تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).(٢)
وقال تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا).(٣)
وقال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا* وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا).(٤)
نعم وجود تلك الماهيات قبل البعثة غير كاف إلّا إذا انضمّ إليه أنّ العرب قبل عصر الرسالة كانت عارفة بها وكانت تعبّر عنها بهذه الألفاظ ، إذ من البعيد
__________________
(١) البقرة : ١٨٣.
(٢) الحج : ٢٧.
(٣) مريم : ٣١٣٠.
(٤) مريم : ٥٤ و٥٥.