٤ ـ ان صيانة الأمن والنظام لا تتحقق ولن تتحقق إذا لم يكن كل انسان أمينا على نفسه وكرامته ، لأن المجتمع الصالح في منطق القرآن هو الذي لا يوجد فيه بذرة واحدة من بذور الفساد : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ـ المائدة ٣٢». ذلك ان حقيقة الانسانية تقوم بكل فرد ، تماما كقيامها في جميع الأفراد ، فمن أساء الى واحد منها فقد أساء الى الانسانية بكاملها ، ومن أحسن اليه فقد أحسن اليها كذلك. وقوله تعالى : (قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) اشارة الى ان لكل فرد قدسيته الانسانية ، وانه في حرم محرم ، حتى ينتهك هو حرمة نفسه بارتكاب جريمة ترفع عنه تلك القدسية والحصانة الانسانية.
٥ ـ ان العلاقات بين الناس تقوم على أساس حصانة الكرامة وصيانتها لكل فرد من غير فرق بين الذكر والأنثى والأسود والأبيض والغني والفقير .. من أي ملة كان ويكون ، وقد أقر الله هذه الحقيقة بأوجز عبارة وأبلغها : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ـ الأسراء ٧٠». ومن استهان بمن كرمه الله سبحانه فقد استهان بالله وشريعته.
٦ ـ ان الايمان بالله ، ونبوة محمد ، واليوم الآخر ، وما إلى ذاك من الأصول والفروع ليس مجرد شعار ديني يرفعه القرآن ، بل ان لكل أصل من أصول الإسلام ، وكل حكم من أحكامه ثمرات وحقائق يجمعها الخلق الكريم ، والعمل النافع .. فلقد قرن الله الايمان به بالعمل الصالح في العديد من الآيات ، أما الإيمان بنبوة محمد (ص) فهو ايمان بالانسانية ورفاهيتها : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ـ الأنبياء ١٠٧». أما دخول الجنة فيرتبط أقوى ارتباط بالجهاد والعمل الصالح في هذه الحياة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ـ آل عمران ١٤٢».
وهكذا يرسم القرآن الطريق الايجابي لبلوغ مقاصده ، واستجابة الدعوة الى الحياة التي أشار اليها بقوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ). وهذا دليل واضح على ان أية دعوة لا تمت الى الحياة بصلة فما هي من الدين في شيء ، ومن نسبها الى الله ورسوله فقد افترى على الدين كذبا .. وعلى هذا الأساس حاولت ان أفسر آي الذكر الحكيم والتفصيل فيما يلي.