الجبل عليكم ، فأذعنوا وتابوا ، فاستقر الجبل في مكانه ، ولكنهم عادوا الى التمرد والعصيان.
وإذا كان هذا شأن اليهود في عهد الكليم (ع) ، وقد شاهدوا عيانا ما شاهدوا من الخوارق ، ولا حجة أقوى وأبلغ من العيان ، فلا عجب ـ اذن ـ من يهود المدينة إذا أنكروا نبوة محمد (ص) ، ونقضوا العهد والميثاق المبرم بينه وبينهم ، انظر فقرة «محمد ويهود المدينة» عند تفسير آية : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي).
(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ). أي لو لا لطف الله وتفضله بامهاله لكم لحل بكم العذاب في الدنيا قبل الآخرة ، قال الملا صدرا :
«ان هذه الآية من أرجا الآيات ، وأقواها دلالة على رحمته وتجاوزه عن سيئات عباده العاصين ، لأن قوله : فلو لا فضل الله عليكم بعد ان عدد قبائحهم من عبادة العجل ، وكفران النعيم ، وجحود الأنبياء وقتلهم ، ونقض الميثاق المؤكد ، وغير ذلك يدل على كمال رأفته وعفوه».
ثم نقل الملا صدرا عن القفال ما يتلخص بأن الله سبحانه بعد أن رفع عنهم عذاب الجبل حرفوا التوراة ، وجاهروا بالمعاصي ، وخالفوا موسى ، ولقي منهم كل أذى ، وكان الله سبحانه يجازيهم في الدنيا ، ليعتبروا ، حتى انه خسف الأرض ببعضهم ، وأحرق بالنار آخرين ، وعوقبوا بالطاعون .. كل هذا ، وغير هذا منصوص عليه في توراتهم التي يقرون بها ، والتي هي الآن في متناول كل طالب وراغب .. ثم فعل الخلف ما فعل السلف من الجرائم ، فكفروا السيد المسيح (ع) ، وصمموا على قتله .. فغير عجيب انكارهم ما جاء به محمد (ص) ، وجحودهم لحقه.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ). لقد أمرهم الله سبحانه بترك العمل يوم السبت ، وحرم عليهم صيد الأسماك فيه ، فكانت الحيتان تتجمع في هذا اليوم آمنة مطمئنة ، ولكن ثلثة من اليهود احتالوا وتأوّلوا .. حيث حبسوا الحيتان يوم السبت وحصروها في مكان لا تستطيع تجاوزه ، وأخذوها يوم الأحد ، وقالوا : ان الله نهى عن صيد الحيتان في هذا اليوم ، ولم ينه عن حبسها ، وفرق بعيد بين الحبس وبين الصيد.