ويذكرني هذا الدجل والاحتيال بنفاق محترفي الدين والوطنية الذين يتلاعبون بالألفاظ ، ويشوهون الحقائق ، ليوقعوا بعض السذج في شباكهم .. ومن الطريف ان بعض الشيوخ ألّف كتابا خاصا في الحيل الشرعية ، حتى كأنّ الله طفل صغير تخفى عليه التمويهات ، ولا يعلم الصادقين من الكاذبين .. وإذا لم يمسخ الله هؤلاء قردة خاسئين في هذه الحياة ، كما فعل باليهود من قبل فسيحشرهم غدا على هيئة الكلاب والقردة والخنازير .. وإذا لم يمسخ الكاذبون الآن في الظاهر فإنهم ممسوخون في الباطن .. ولا حجة أقوى من الأفعال التي تنبئ بمسخ نفوسهم.
(فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ). اختلف المفسرون : هل كان المسخ لمن اعتدى في السبت من اليهود مسخا حقيقيا ، بحيث صارت أجسامهم وصورهم على هيئة القرود ، أو ان المسخ كان في الطبع ، لا في الجسم ، تماما مثل : ختم الله على قلوبهم ، ونظير كمثل الحمار يحمل أسفارا؟.
ذهب أكثر المفسرين الى الأول ، وان المسخ كان حقيقة ، عملا بالظاهر الذي لا داعي الى تأويله ، وصرفه عن دلالته ، لأن تحول الصورة الى صورة أخرى جائز عقلا ، فإذا جاءت آية أو رواية صحيحة على وقوعه أجريناها على ظاهرها ، حيث لا حاجة الى التأويل.
وذهب قليل منهم مجاهد في القديم ، والشيخ محمد عبده في الحديث الى الثاني ، وان المسخ كان في النفس ، لا في الجسم ، قال الشيخ عبده ، كما في تفسير المراغي : «ان الله لا يمسخ كل عاص ، فيخرجه عن نوع الإنسان ، إذ ليس من سنته في خلقه .. وسنة الله واحدة ، فهو يعامل القرون الحالية بمثل ما عامل به القرون الخالية».
ونحن نميل الى ما عليه جمهور العلماء والمفسرين ، وان المسخ كان حقيقة ، لا مجازا ، أما قول عبده فصحيح في نفسه ، كمبدأ عام ، وقاعدة كلية ، ولكن لهذه القاعدة مستثنيات ، تستدعيها الحكمة الإلهية ، كالمعجزات ، وما اليها من الكرامات .. ومعاملة الله مع بني إسرائيل في ذاك العهد من هذه المستثنيات ، كما يتضح من الفقرة التالية :