المعنى :
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ). أي كان الواجب على أسلافكم ـ يا يهود المدينة ـ أن يعتبروا ، وتلين قلوبهم بعد أن شاهدوا ما شاهدوا من الخوارق والمعجزات ، ومنها احياء القتيل .. ولكنهم لخبثهم فعلوا عكس ما تستدعيه هذه الخوارق ، فأفسدوا وقست قلوبهم ، حتى كأنها قدّت من صخر ، بل ان بعضها أشد قساوة وصلابة ، ذلك : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ).
وتسأل : ان الأنهار ماء ما في ذلك ريب ، فكيف صح تقسيم الماء إلى أنهار وماء؟ وهل هذا الا كتقسيم البناء الى بيت وبناء؟.
الجواب : ان الآية الكريمة قسمت الماء الى قسمين : كثير ، وهو الأنهار ، وقليل وهو العيون والآبار ، وقد عبرت عن هذا القسم القليل بلفظ الماء .. ولذا أسندت التفجير الى الكثير ، لأنه يشعر بالكثرة ، والتشقق الى الماء ، لأنه يشعر بالقلة.
ومهما يكن ، فان الغرض ان الله سبحانه قد فضل الصخور والحجارة بشتى أقسامها وأنواعها على قلوب اليهود ، لأن الصخر قد يتصدع ، فيخرج منه الماء ، وان الحجر قد يتخلخل ويتحرك عن موضعه ، أما قلوب اليهود فإنها لا تندى بخير ، ولا يحركها جمال ، ولا تتجه الى هداية.
وتسأل : ان الحجارة لا حياة فيها ولا ادراك ، حتى تخشى الله ، فما الوجه في قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)؟
وقد أجيب على ذلك بأجوبة كثيرة ، أقربها جوابان : الأول ، ان هذا مبني على الافتراض ، أي لو كان في الحجارة فهم وعقل كاليهود لهبطت من خشية الله. ومثل هذا كثير في كلام العرب.
الجواب الثاني : ان الحجارة من شأنها أن تخشع وتخضع لله الذي تنتهي اليه جميع الأسباب الطبيعية وغيرها ، قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ الاسراء ٤٥». ويأتي التوضيح حين نصل الى هذه الآية ان شاء الله.