وإذا تعارض ظاهر اللفظ مع اجماع المسلمين في كل عصر ومصر على مسألة فقهية حملت الظاهر على الإجماع ، كقوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) حيث دلت (اكتبوه) على الوجوب ، والإجماع قائم على استحباب كتابة الدين ، فاحمل الظاهر على الاستحباب دون الوجوب ..
أما أقوال المفسرين فلم اتخذ منها حجة قاطعة ، ودليلا مستقلا ، بل مؤيدا ومرجحا لأحد الوجوه إذا احتمل اللفظ لأكثر من معنى. فلقد بذل المفسرون جهودا كبرى للكشف عن معاني القرآن وأسراره ، وإبراز خصائصه وشوارده ، وأولوا كتاب الله من العناية ما لم يظفر بمثلها كتاب في أمة من الأمم قديمها أو حديثها .. هذا وان في المفسرين أئمة كبارا في شتى علوم القرآن التي كانت الشغل الشاغل للمسلمين في تاريخهم الطويل ، فإذا لم تكن أقوال هؤلاء الأقطاب حجة ، كقول المعصوم ، فإنها تلقي ضوءا على المعنى المراد ، وتمهد السبيل الى تفهمه.
الأخطاء المطبعية :
لا أذكر اني قرأت كتابا أخرجته المطابع قديما وحديثا ، دون أن أجد فيه أغلاطا مطبعية ، وأحسب اني لن أقرأ كتابا يخلو منها ، وحرصت جاهدا ان أتجنبها في مؤلفاتي فلم أفلح .. وكنت من قبل لا أطيق أن أرى شيئا منها في كتاب أو مقال ، ثم ألفتها بالتتابع والتكرار .. والشيء الذي لم آلفه ، ولم يكن لي بحسبان ان أرى هذه الأغلاط في كتابة المصحف الشريف ، من ذلك ـ على سبيل المثال دون الحصر ـ ما جاء في بعض الطبعات (يبصط) بالصاد مكان يبسط بالسين ؛ وفي كتابة القرآن المطبوع متنا في تفسير الرازي سنة ١٩٣٥ بمصر جاءت الآية ١٤٦ من سورة البقرة هكذا : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). والصواب وهم يعلمون ، ومثل هذه الغلطة لا يتسامح بها. وفي تفسير المنار الطبعة الثانية ، الآية ٢١٢ من سورة البقرة كتب قوله تعالى : «والذين اتقوا فوقهم الى يوم القيامة» والصواب (فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، وهذه الغلطة لا تقل فظاعة عن تلك .. ويعتذر المخطئ عندنا في جبل عامل بمثل مشهور : «الغلطة في كتابة المصحف». وفي تفسير مجمع البيان طبعة العرفان الآية ١٥ من سورة الأحقاف كتب قوله تعالى ـ متنا ـ حتى «إذا بلغ أربعين سنة» والصواب (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).