يعضدها من حسن البيان ، وطالما استعمل لفظ الملك في الرجل الصالح ، ولفظ الشيطان في الرجل الطالح ، ولفظ السحر في العبارة الفاتنة .. من ذلك قوله تعالى عن يوسف حكاية عن صويحباته : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ..) وقوله سبحانه : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) .. وقوله حكاية عن الوليد : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) .. وفي الحديث : «ان من البيان لسحرا».
«وقد أنبأنا التاريخ بما كان من شأن بخت نصر ملك بابل من غزوه فلسطين بعد سليمان ، وتخريبه بيت المقدس ، ونرى القرآن يؤيد حوادث التاريخ بقوله في سورة الاسراء : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً).
«إذا عرفت هذا فنقول : ان الضمير في قوله تعالى : (واتبعوا) عائد الى يهود المدينة الذين تقدمت هذه الآية اثنتان وستون آية متتابعة في حقهم .. ومتى عرفت هذا ، ثم تدبرت الآيات المتصلة بآية سليمان ، ووقفت وقفة تدقيق وإمعان عند قوله : (على ملك سليمان) وما اكتنفها من مضامين ودلالات علمت ان معنى الآية الكريمة ان يهود الحجاز كانوا يكيدون للنبي العربي بالمكايد والدسائس المقنّعة ، والدعاية المزوقة اقتداء بالمارقين من أسلافهم الذين أعانوا رسل بابل في تقويض ملك سليمان».
الإيضاح :
ونفسر الآية على أساس فهم العبيدي لها : (واتبعوا). أي اتبع يهود المدينة الذين كانوا على عهد محمد (ص). (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ). المراد بالشياطين المشعوذون ، ومنهم الرجلان البابليان اللذان ظهرا بمظهر القداسة ، وهما في الواقع من الأبالسة. (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ). أي ان يهود المدينة استعملوا الدسائس والمكائد ، ضد محمد ، تماما كما استعمل ذلك أسلافهم اليهود ضد ملك سليمان.
(وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا). أي كل ما كانوا ينسبونه الى