سليمان فهو بريء منه ، وانما هو من عند الدساسين واختراعاتهم. (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ). أي يلقنون الناس الأشياء الباطلة الكاذبة. (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ). أي الرجلين اللذين هما من بابل وتظاهرا بالقداسة والتقوى .. وليس المراد من الانزال الوحي من الله ، كالوحي للأنبياء ، بل مجرد الإلهام أو التعلم ، وما اليه. (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ، حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). كانوا يقولون ذلك دجلا ونفاقا ، ليوهموا الناس ان علومهم إلهية ، وان صناعتهم روحانية ، وانهم صحيحو النية ، تماما كما يقول الدجال لمن يعلمه كتابة البغض والمحبة : إياك أن تكتب هذا لتفريق الزوجين الشرعيين ، أو لمحبة امرأة متزوجة بغير زوجها.
(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). أي ما يحسبون انه يفرق بين المرء وزوجه على نحو ما يأخذ الإنسان من الدجال كتابة الحب والبغض معتقدا الصدق والتأثير .. وتجمل الاشارة الى ان الآية لا تدل على ثبوت التأثير ولا نفيه ، لأن قوله : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ) ليس حكما جازما بتحقق التفريق بين الزوجين على كل حال ، بل معناه يتعلمون ما وضع لأجل التفريق بين الزوجين ، تماما كقولك شرب الشفاء ، أي ما وضع لأجل الشفاء .. واختصارا ان الآية من حيث ترتّب الأثر مجملة سلبا وإيجابا. وكثيرا ما تقتضي الحكمة الإلهية البيان من جهة ، والإجمال من جهة ، بخاصة في غير العقائد.
(وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). أي لا يستطيعون إضرار واحد من الناس أيا كان بسبب القراءة والكتابة ، فإذا تضرر فإنما ذلك من باب الصدفة والاتفاق مع سبب من الأسباب الخارجية ، فالمراد بإذن الله السبب الخارجي الذي يترتب عليه الضرر.
(وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ). لأنه مجرد شعوذة ، والشعوذة تضر ولا تنفع. (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ). أي انهم عالمون بأن من اختار الشعوذة على الحق لا نصيب له عند الله. (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). أي انهم قد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ومر تفسيره في الآية ٦١.