أيضا ان المفروضة لا تصح مع الإمكان إلا الى الكعبة ، وان المستحبة تصح حال المشي والركوب على الراحلة الى أية جهة تكون ، وكذلك المتحير الذي يجهل جهة الكعبة تصح منه المكتوبة حيث يتجه بها مع عجزه عن الاحتياط ، وبهذه الأحاديث والإجماع نخصص قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) نخصصها بالصلاة المستحبة حال المشي والركوب ، وبصلاة المتحير. وأيضا بالأحاديث والإجماع نخصص الآية ١٤٩ من سورة البقرة : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) نخصصها بالصلاة المكتوبة مع الاختيار ، والنافلة مع الاستقرار (١).
وبهذا يتبين الخطأ والاشتباه في قول من قال : ان قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ناسخ لقوله سبحانه : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، لأن من شروط النسخ التنافي والتعارض بين الناسخ والمنسوخ ، بحيث يرد الإثبات والنفي على موضوع واحد ، وقد عرفت ان موضوع فول وجهك شطر المسجد خصوص صلاة الفريضة والنافلة مع الاستقرار ، وان موضوع أينما تولوا فثم وجه الله ـ ما عدا ذلك.
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً). قدمنا في تفسير الآية ١١٣ ان كلا من اليهود والنصارى ومشركي العرب قالوا : انهم وحدهم على حق ، وغيرهم ليس بشيء ، أو ليس على شيء ، وعليه يكون الضمير في قوله تعالى : «وقالوا» راجعا الى هذه الطوائف الثلاث ، وقد جاء في القرآن الكريم ان اليهود قالوا : عزير ابن الله ، وان النصارى قالوا : المسيح ابن الله ، وان مشركي العرب قالوا : الملائكة بنات الله ، فلا جرم صحت هذه الحكاية عنهم جميعا.
(سبحانه) كلمة تنزيه ، وفي آية ثانية : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). لأن وجود الولد لله تعالى يستلزم العديد من المحاذير :
«منها» : ان التي تلد منه لا بد أن تكون من جنسه ، ليمكن الاستيلاد ، والله لا جنس له ولا ند.
و «منها» : ان الولادة تستدعي المقاربة ، والمقاربة تستدعي الجسمية ، والله ليس بجسم.
__________________
(١) انظر تفسير الآية الآتية ١٤٢ ، فقرة «لما ذا الصلاة إلى جهة معينة» فإنها متممة لهذا التفسير.