تاريخ بنائها وانشائها يبتدئ بإبراهيم؟.
ذهب أكثر أهل التفسير والتاريخ من المسلمين الى انها أسبق بكثير من ابراهيم ، وقال البعض : بل ولدت الكعبة على يد ابراهيم (ع) ، وتوقف آخرون ، ولم يحكموا بشيء ، وقالوا : الله أعلم. ونحن مع هؤلاء .. ذلك ان العقل لا مجال له في هذا الباب سلبا ولا إيجابا ، والطريق الى معرفته ينحصر بالآثار والحفريات ، أو بآية قرآنية ، أو سنة قطعية.
ولم أطلع على أقوال الباحثين في الآثار والحفريات ، والقرآن لم يحدد صراحة تاريخ البناء ، وكل ما جاء فيه ان ابراهيم وولده إسماعيل قد باشرا بناء البيت ، وتعاونا معا على إقامته ، وهذا أعم من عدم وجوده إطلاقا من قبل ، أو كان موجودا ، ولكن عرض له الخراب والدمار ، ثم جدده ابراهيم وولده إسماعيل.
والسنة القطعية منتفية ، والأخبار الواردة في هذا الباب كلها آحاد ، والخبر الواحد حجة في الأحكام الشرعية فقط (١) ، أو فيها وفي موضوعاتها على قول ، أما في العقائد ، والمسائل التاريخية ، والموضوعات الخارجية البحتة فليس بحجة الا مع قرينة توجب ركون النفس واطمئنانها ، وعندها يكون الخبر بحكم السنة القطعية.
ومهما يكن ، فنحن غير مسؤولين أمام الله سبحانه ، ولا مكلفين بمعرفة تاريخ بناء الكعبة ، وزمن انشائها وولادتها ، وانها : هل هي جزء من الجنة ، أو قطعة من الأرض؟. وان آدم والأنبياء من بعده قد حجوا اليها ، أو لا؟. وانها عند الطوفان : هل ارتفعت الى السماء ، ثم نزلت بعده الى الأرض؟. وان الحجر الأسود : هل جاء به جبريل من السماء ، أو صحبه آدم معه من الجنة ، أو تمخض عنه جبل أبي قبيس؟. وانه : هل اسودّ من ملامسة المذنبين؟. الى غير ذلك مما لا سند له الا خبر واحد ، أو قصّاص مخرف.
__________________
(١) أغرب ما قرأت في هذا الباب قول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ج ١ ص ١٩٦ : «ان عدم صحة أسانيد الأخبار لا يوجب طرحها ما لم تخالف العقل أو النقل الصحيح» .. ومن المعلومات البديهية ان عدم مخالفة العقل والنقل الثابت شرط لما ثبت صحته من الاخبار سندا ، لا لما لم يثبت منها ، فان عدم ثبوت صحة السند كاف لطرح الخبر ، من غير اضافة شرط آخر .. والا لزم العمل بكل خبر غير صحيح إلا إذا خالف العقل أو النقل الثابت .. وفساده ظاهر بالبديهة.