نحن غير مسؤولين عن شيء من هذه الأشياء ، ولا مكلفين بمعرفتها وجوبا ولا استحبابا ، ولا عقلا ولا شرعا .. ولا فائدة في بحثها دينية ولا دنيوية ، وقد عاشت هذه الأبحاث وما اليها حينا من الدهر ، ثم ذهبت مع الريح .. ومن أراد إحياءها فانه تماما كمن يحاول إرجاع عقارب الساعة الى الوراء.
ان الشيء الذي نسأل عنه ، ونطالب به ـ فيما يعود الى الكعبة ـ هو قصدها للحج والعمرة من استطاع الى ذلك سبيلا ، واحترامها وتقديسها ، والمحافظة عليها ، والذب عنها بالنفس والنفيس اقتداء بالرسول الأعظم وأهل بيته (ص) ، وأصحابه والتابعين والعلماء وجميع المسلمين .. فإنهم يؤمنون ايمانا لا تشوبه شائبة بأن تعظيم بيت الله تعظيم لله ، والحرص عليه حرص على حرمات الله ، والذب عنه ذب عن دين الله .. قال أمير المؤمنين(ع) :
«فرض الله عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام يردونه ورود الانعام ، ويألهون ـ أي يفزعون ـ اليه ولوه الحمام ، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته ، وإذعانهم لعزته .. جعله سبحانه للإسلام علما ، وللعائذين حرما».
(رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا). هذا دعاء من ابراهيم وإسماعيل أن يثيبهما الله على هذا العمل ، لأن معنى القبول عند الله هو الثواب على العمل الذي يقبله ، كما ان عدم الثواب على العمل معناه رده ورفضه ، ولا تفكيك بموجب كرم الله وجوده ، وليس من شك ان الله قد قبل دعاءهما ، وأجزل لهما الثواب على هذه الطاعة ، لأنه هو الذي فتح باب الدعاء ، وما كان ليفتح على عبد باب الدعاء ، بخاصة المتقي ، ويغلق عنه باب الاجابة ، كما قال أمير المؤمنين (ع).
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ). المسلم ، والمسلّم ، والمستسلم بمعنى واحد ، وهو الذي يذعن وينقاد ، والمراد به هنا من أخلص لله في عقيدته وأعماله ، وليس من شك ان السعيد الحميد هو الذي يسلم لله جل وعز جميع أموره وشئونه.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) وقد استجاب الله دعاءهما ، وجعل في ذريتهما ملايين الملايين من المسلمين.