لليهود والنصارى ومشركي العرب الذين لم يؤمنوا بمحمد ، وسر التوبيخ والتقريع ان اليهود يفتخرون بنسبتهم الى إسرائيل ، وإسرائيل هو يعقوب بن اسحق بن ابراهيم ، والنصارى يفتخرون بعيسى ، وعيسى يتصل نسبه من جانب الأم باسرائيل أيضا ، أما مشركو العرب فسائرهم عدنانيون يرجعون بنسبهم الى إسماعيل بن ابراهيم ، بالاضافة الى انهم نالوا الخير في الجاهلية ببركة البيت الذي بناه ابراهيم .. فالكل ـ اذن ـ يفتخرون بإبراهيم ، وملة ابراهيم ، والمعلوم ان محمدا (ص) من نسل ابراهيم ، وعلى ملة ابراهيم ، وعليه فمن كفر بمحمد وملته فقد كفر بإبراهيم وملته .. وليس من شك ان من يكفر بمصدر عزه وافتخاره فهو سفيه ، تماما كمن تصرف في نفسه تصرفا يودي به الى الهلاك.
(وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا). أي جعلناه صافيا خالصا من الأرجاس ، على حد قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
(وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). بديهة ، لأنه في الدنيا كذلك ، فان الإسلام يربط الآخرة بأعمال الدنيا ، ولا يفصل بينهما أبدا ، فمن كان في هذه مبصرا صالحا ، فهو في تلك كذلك ، ومن كان في الدنيا أعمى شقيا فهو في الآخرة أعمى وأشقى.
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ). وتسأل : متى طلب الله الإسلام من ابراهيم؟ هل طلبه منه قبل النبوة ، أو بعدها؟ والأول غير ممكن ، لأن الله لا يطلب بطريق الوحي ممن ليس بنبي ، والثاني تحصيل حاصل ، لأن الله لا ينزل الوحي على انسان إلا بعد أن يسلم.
والجواب : ان قوله تعالى : (أسلم قال أسلمت) كناية عن ان ابراهيم هو من صفوة الصفوة ، وانه أهل للنبوة والرسالة .. ذلك انه استجاب لجميع أوامر الله ونواهيه ، وقام بأعباء النبوة والرسالة على أتم الوجوه وأكملها ، فالمقصود بالآية مجرد الثناء على ابراهيم ، لإخلاصه وطاعته وانقياده ، وفي الوقت نفسه توبيخ لليهود والنصارى والمشركين الذين يفتخرون بإبراهيم ، ثم يعصون ويتمردون على من جاء لإحياء ملة ابراهيم ، ونشر سنته وعقيدته.
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ). الضمير في (بها) يعود الى ملة ابراهيم.