فكيف نعترف بنبوته؟. فكان لكل من المشركين وأهل الكتاب حجة يتذرع بها في زعمه .. فحول الله نبيه الى الكعبة ، وجعلها قبلة دائمة للنبي ولجميع المسلمين الى يوم الدين ، كي لا يبقى لهؤلاء ، ولا لأولئك ما يحتجون به.
وظاهر الجملة يدل على ان الصلاة الى الكعبة تدفع حجة المعترضين من الناس ، أما من هم المعترضون من الناس فلم تتعرض الآية لبيانهم .. ومن الجائز أن يكون الوجه في قطع حجة المعترضين ان الكعبة بناها وصلى اليها ابراهيم (ع) ، وهو محل وفاق بين الجميع ، ومحمد (ص) على سنته.
(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ). أي لا حجة عليك لواحد من الناس إذا صليت الا للمبطل المعاند الذي لا يستند في اعتراضه وطعنه الى برهان عقلي ، ولا هدى سماوي ، بل لمجرد التعصب والتعنت.
(فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي). أي لا تخافوا في الحق لومة لائم ، فأنا وحدي أملك لكم النفع والضر. وقال ابن عربي في تفسيره : «معنى اخشوني اعرفوا عظمتي لئلا يعظم الكافر عندكم ، قال علي أمير المؤمنين (ع) : عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم».
(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). أي أنعمت عليكم بالإسلام ، وأتممت النعمة باعطائي إياكم قبلة مستقلة توحد كلمتكم ، وتجمع شملكم ، وتتجه اليها شعوب العالم من أقطار الأرض على اختلاف ألوانها وألسنتها ..
أواصر الأمة الاسلامية :
قال عالم مدقق : تربط الأمة الاسلامية ثلاث أواصر : إله واحد ، وكتاب واحد ، وقبلة واحدة ، يفد اليها المسلمون من أقطار الأرض كل عام ، ليعبدوا هذا الإله الواحد بتلك الشريعة الواحدة على أرض واحدة ، هي أرض الوطن الروحي .. وهكذا تجسدت وحدة العقيدة ، ووحدة الشريعة ، ووحدة الوطن الأعلى ، ليذكر المسلمون انهم وان تفرقت أقطارهم ، واختلفت أنسابهم وألسنتهم وألوانهم تجمعهم جامعة الدين والله والوطن .. وانه إذا جد الجد وجب ان يضحي كل فريق منهم بمصالحه الخاصة في سبيل هذه المصلحة المشتركة.