وتمسكهم بها بيّن ان السر لهذا التصميم والإصرار هو ان كل فريق قد اختار لنفسه جهة يتجه اليها ، لا يفارقها أبدا ، وان كان فسادها بينا كالشمس ، فقوله : (لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أشبه بقوله : كل حزب بما لديهم فرحون.
هذا ما فهمته من ظاهر اللفظ ، وقد تعددت في تفسيره الأقوال أنهاها صاحب مجمع البيان الى أربعة.
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). أي دعوا أهل الكتاب والمشركين المعاندين ، واتجاهاتهم ، وإصرارهم على ضلالهم ، وانصرفوا الى عمل الخير ، والمبادرة اليه ، فان مرجعكم غدا اليه سبحانه ، فيثيب المحق المحسن ، ويعاقب المبطل المسيء .. وعلى حد تعبير المفسرين ان قوله تعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ) ، هو وعد بالثواب لأهل الطاعة ، ووعيد بالعقاب لأهل المعصية. أما قوله : ان الله على كل شيء قدير بعد هذا الوعد والوعيد فهو دليل وتعليل لإمكان الإتيان بالخلق وبعثهم بعد الموت.
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وتسأل : كرر الله الأمر هنا باستقبال المسجد الحرام ثلاث مرات ، وفي الآية ١٤٥ مرتين ، فالمجموع خمس مرات دون فاصل طويل .. فما هو الوجه؟.
الجواب : ذكر صاحب المجمع في ذلك ثلاثة أقوال ، والرازي خمسة ، ومنها الجواب التقليدي الموروث ، وهو ان التكرار للتأكيد والاهتمام .. ولم تركن النفس الى شيء من تلك الأقوال .. وليس لدي شيء سوى ان التكرار هنا قد يكون لمناسبة خاصة استدعاها المقام آنذاك ، وقد خفيت علينا ، وما أكثر المناسبات والملابسات التي لا تدخل تحت ضابط وحساب .. ومعلوم ان موارد الآيات وبواعثها منها خاص ومنها عام .. وليس لأحد أن يستنبط ويتأول من غير أصل ويعتمد على الحدس والظن.
(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ). قال كثير من المفسرين : ان النبي (ص) حين كان يصلي الى بيت المقدس قال المشركون العرب : كيف يدعي محمد انه على دين ابراهيم ، ولا يصلي الى الكعبة التي كان يصلي اليها ابراهيم وإسماعيل؟. وان أهل الكتاب قالوا : ان الموجود في كتبنا ان النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل يصلي الى الكعبة ، لا الى بيت المقدس ،