من شك ان هذا يتحقق من غير المقلد للمجتهد ، وقوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) يشعر بأن الأب إذا كان على هدى ، وقلده الابن صح عمله .. فالعبرة ، اذن ، بالمطابقة وكفى.
٦ ـ التقليد في أصول الدين والعقيدة ، كمعرفه الله وصفاته ، ونبوة محمد وعصمته ، والبعث والنشر .. وقد منع أكثر علماء السنة والشيعة هذا النوع من التقليد ، وقالوا بعدم جوازه ، لأن التقليد قبول الشيء بلا دليل ، وهذا هو الجهل بعينه ، أي ان القائل بوجود الله تقليدا ، تماما كمن يجهل وجوده من الأساس .. وقال هؤلاء : انما أجزنا التقليد في الفروع والمسائل العملية دون الأصول العقائدية ، لأن المطلوب في الفروع مجرد العمل على مقتضى قول المجتهد وهذا ممكن بذاته ، بخلاف الأصول العقائدية فان المطلوب فيها العلم والاعتقاد .. والعلم لا يجتمع مع التقليد ، لأنه جهل محض ، والاعتقاد خارج عن الاختيار والارادة ، فلا يتعلق التكليف به.
وقال المحققون من السنة والشيعة : إذا أعقب التقليد تصديق جازم مطابق للواقع صح ، لأنه هو المطلوب ، والاجتهاد ليس شرطا ولا جزءا من الايمان والتصديق ، وانما هو وسيلة ، لا غاية.
وهذا هو الحق ، لأن العبرة في اصول العقائد بالايمان الصحيح المطابق ، ومن أجل هذا قبل النبي (ص) اسلام كل من آمن به ، واطمأنت نفسه لصدقه ونبوته ، دون أن يجتهد ويستعمل النظر .. أما الآيات التي وردت في ذم اتباع الآباء فان سياقها يدل على ان المراد منها التقليد في الباطل والضلال ، لا في الحق والهداية .. وتظهر هذه الحقيقة لكل من أمعن الفكر في قوله تعالى : (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ). وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا). وقوله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ). فان المفهوم من هذه الآيات ان آباءهم إذا كانوا على الهدى الذي نزل على الرسول جاز اتباعهم ، لأن المطلوب هو اتباع ما انزل الله ، فإذا اتبعوه فقد امتثلوا وأطاعوا ، ولا يسألون بعد الطاعة عن شيء.
واختصارا ان كل من اتبع قول الله والرسول فقد اتبع الحق الثابت بالدليل ،