أولياء القتيل من الأبرياء ، لا من الجاني نفسه ، فإذا قتل رجل عادي مثله قتل أولياء القتيل عددا كبيرا من ذوي القاتل ، وإذا قتلت امرأة مثلها أخذوا مكانها رجلا من أسرتها أو قبيلتها ، وربما قتلوا عشرة بواحد ، وأدى هذا الظلم الى الحروب الطاحنة بين القبائل ، وإبادة الكثير منها ، ووراثة العداء والأحقاد بين الأبناء والأحفاد .. فشرع الله القصاص ، وهو بمفهومه يفيد المساواة ، والوقوع على الجاني نفسه أيا كان دون غيره من الأبرياء ، ودون زيادة أو نقصان خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية ، وأن يكون القتل عمدا ، ولا قصاص في قتل الخطأ وشبه العمد (١).
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ـ المائدة ٤٥». وقوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ـ الاسراء ٣٣». وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) ـ الشورى ٤٠». وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ـ البقرة ١٩٤».
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى). المعنى واضح لا يحتاج الى شرح وتفسير ، وهو اعتبار المساواة في القصاص بين القاتل والمقتول في الحرية والعبودية والأنوثة.
وتسأل : ان المفهوم من سياق اللفظ ان الحر لا يقتل بالعبد ، وان الرجل لا يقتل بالمرأة ، أي ان الحر إذا قتل عبدا لا يقتل به ، وإذا قتل الرجل امرأة لا يقتل بها ، فهل هذا محل وفاق بين الفقهاء؟.
الجواب : ان الآية تعرضت لصور ثلاث فقط ، وهي حر يقتل حرا ، وعبد يقتل عبدا ، وامرأة تقتل امرأة ولم تتعرض للصور الباقية ، وهي أربع : حر يقتل عبدا ، وعبد يقتل حرا ، ورجل يقتل امرأة ، وامرأة تقتل رجلا ..
__________________
(١) قتل العمد ان يقصد الفعل والقتل كمن طعن آخر بسكين قاصدا نفس الطعن والقتل أيضا ، أو قصد الفعل القاتل فقط ، أي قصد طعنه في قلبه ، ولكنه لم يقصد قتله ، فان هذا من قتل العمد. والخطأ المحض أن يكون مخطئا في قصده وفعله ، كمن رمى حيوانا فأصاب إنسانا فان الإنسان غير مقصود لا بالرمي ولا بالقتل. وشبه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، كمن ضرب صبيا للتأديب فمات ، فان الضرب مقصود ، والموت غير مقصود ، وفي قتل الخطأ وشبه العمد تتعين الدية ، ولا يجوز القصاص بحال.