ولا بد من الاشارة بهذه المناسبة الى ان فقهاء المذاهب الاسلامية كافة اتفقوا كلمة واحدة على ان كل من انتهك حرمات الله مستحلا لها ولسفك الدماء ، ونهب الأموال المحرمة بضرورة الدين فهو والكافر بالله سواء ، حتى ولو صلى وصام وحج الى بيت الله الحرام ، بل ان هذا أسوأ حالا ممن كفر وحرم سفك الدماء ونهب الأموال ، وكف أذاه عن الناس .. ان كلا منهما كافر ما في ذلك ريب ، ولكن هذا كافر كف شره وأذاه عن عباد الله وعياله ، وذاك كافر مسيء الى الله وعباده وعياله .. قال رسول الله (ص) : خير الناس أنفع الناس للناس ، وشر الناس من تخاف الناس من شره .. ومرة ثانية ان كل من أنكر حكما شرعيا ثبت بالبديهة الدينية واجماع المسلمين كافة فهو كافر بالاتفاق ، وان تولد من أبوين مسلمين ، ونطق بالشهادتين.
وقوله تعالى : (وَلا تَعْتَدُوا) أي لا تقاتلوا بدافع المنفعة الشخصية ، بل قاتلوا بدافع انساني شريف ، وقصد الذب عن الدين والحق ، ولا تقتلوا النساء والأطفال والشيوخ والمرضى ، ولا تخربوا العمار ، وتقطعوا الأشجار .. وكل هذه التعاليم وما اليها قد وردت في السنة النبوية.
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ). أي اقتلوا الكافرين في أي زمان أو مكان كانوا إلا في المسجد الحرام فان القتال فيه محرم إلا أن يبتدئوا به.
وتسأل : ان الآية الأولى أمرت بقتال من يقاتل المسلمين ، وهذه أطلقت ولم تقيد ، فهل هذه ناسخة لتلك كما قيل؟.
الجواب : لا نسخ ، ومنذ قريب أشرنا الى أن جواز القتال دفاعا عن النفس لا يدل على عدم الاذن بالقتال لغاية أخرى ، كالقضاء على الكفر والظلم ، وبكلمة إذا قلت لإنسان : أنت طيب ليس معنى قولك هذا ان غيره ليس بطيب ، فكذلك قوله تعالى : (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ليس معناه لا تقاتلوا من لا يقاتلكم. أجل ، لو قال : لا تقاتلوا إلا من يقاتلكم لدل هذا الحصر على النفي.
(وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ). أخرج مشركو مكة النبي (ص) وأصحابه منها ، لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله ورسوله ، فأمر الله نبيه والمسلمين إن عادوا إلى مكة منتصرين ان يخرجوا منها من لا يؤمن بالله ورسوله ، تماما كما فعل المشركون من قبل جزاء وفاقا. وقيل : ان النبي (ص) أخرج المشركين