هذا الخطاب موجه للمؤمنين أو للناس أجمعين ، فكأنه قال عز من قائل : يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم امرأته الخ.
وبعد أن بيّن سبحانه ان على المطلقة أن تعتد ، وان للمطلق إرجاعها الى عصمته مع توافر الشروط ، وانها تحرم عليه بعد الطلقة الثالثة ، حتى ينكحها زوج غيره ، وانه لا يحل له أن يأخذ شيئا منها عوضا عن الطلاق إلا إذا كرهته ، وافتدت نفسها منه ـ بعد هذا كله بيّن سبحانه ما يجب علينا أن نعامل به المطلقة المعتدة من العدل والانصاف ، ويتحقق العدل في أن يعزم المطلق أحد أمرين ـ متى أشرفت العدة على الانقضاء ـ إما إرجاع المطلقة الى عصمته بقصد الإصلاح وحسن المعشر ، وهذا هو الإمساك بمعروف ، واما تركها وعدم التعرض لها بسوء ، مع تأديتها كل ما تستحقه عليه ، وهذا هو التسريح بمعروف.
وبهذا يتبين معنا ان المراد من الآية السابقة ، وهي (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) هو غير المراد من هذه الآية ، وهي (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). إذ المراد بتلك بيان ان الطلاق الذي يصح الرجوع بعده هو الطلاق الأول والثاني دون الثالث ، أما المراد من هذه الآية التي نحن بصددها فهو بيان ما يجب علينا في معاملة المطلقات ، كما تبين ان المراد ب (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) المشارفة على بلوغ الأجل ، لا البلوغ حقيقة.
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا). أي لا تراجعوهن بقصد إيذائهن ، والاعتداء عليهن ، وراجعوهن بقصد تأدية الحقوق الزوجية ، والتعاون على ما فيه مصلحة الجميع.
وتسأل : ان معنى الضرار المضارة التي تشعر بالمشاركة بين الطرفين ، كالمضاربة والمشاتمة ، والمفروض ان القصد هو إضرار الرجل بالمرأة فقط دون العكس؟.
الجواب : ان إضراره بها يستلزم ضرره أيضا لغضب الله عليه ، وذم الناس له ، وتعمدها هي أن تقتص منه ، وتقابله بالمثل ، وعندها تتحول الحياة الزوجية الى جحيم عليها وعليه ، وربما اتسع الخرق ، وتجاوز الشقاق والخلاف الى الأقارب والأرحام ، ووقع ما لا تحمد عقباه .. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) لا نفسها فحسب.