(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً). هذا وعيد وتهديد لمن يتعدى حدود الله في الحقوق الزوجية ، ووجه الهزء بآياته جلت كلمته ان كل من يدعي الايمان بالله ، والتدين بشريعته ، ثم يتهاون بأحكامه وحلاله وحرامه فقد استخف واستهزأ بها من حيث يريد أو لا يريد ، تماما كمن يعد إنسانا بشيء ، وهو يضمر عدم الصدق والوفاء .. قال بعض السلف : المستغفر من الذنب ، وهو مصر عليه كالمستهزئ بخالقه .. أعوذ بالله ، واستعين به على طاعته.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ). من هذه النعم انه سبحانه خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن اليها ، ونتعاون معها على ما فيه سعادة الأسرة وهناؤها ، فإذا كنا نؤمن بالله ، ونأتمر بأمره حقا فعلينا أن نعمل على تحقيق هذه الغاية ، ونبتعد عن كل ما يستدعي شقاء الأسرة ، ويعكر صفو الحياة الزوجية.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ). المراد ب (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) في الآية السابقة قرب انقضاء العدة ، كما أشرنا ، والمراد به هنا انقضاء العدة حقيقة .. ثم ان هذه الآية قد اشتملت على خطابين : الأول إذا طلقتم النساء. الخطاب الثاني فلا تعضلوهن ، أي تمنعوهن. وقد اختلف المفسرون فيمن هو المقصود بالخطابين ، هل هو واحد ، أو ان المخاطب بالأول غير المخاطب بالثاني؟.
فمن قائل بأنه واحد ، وهو الأزواج ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء ، وانتهت عدتهن فلا تمنعوهن عمن يرتضين للزواج بعدكم ، لأن الرجل كان يتحكم بمطلقته ، ويمنعها أن تتزوج بغيره بعد انتهاء العدة انفة أن يرى امرأته تحت غيره ، ومن قائل بأن المخاطب ب (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) هم الأزواج ، والمخاطب ب (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) هم الأولياء ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فلا تمنعوهن يا أيها الأولياء ان يرجعن الى أزواجهن الأولين بعد انقضاء عدتهن مع رغبتهن في ذلك ، واستشهد الذاهبون الى هذا التفسير بحديث معقل ابن يسار (١).
__________________
(١) روي عن معقل بن يسار انه قال : كان لي أخت تزوجها ابن عمها ، ثم طلقها ، ولم يراجعها ، حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ، وخطبها مع الخطاب ، فمنعتها عنه ، فأنزل الله هذه الآية.