ويلاحظ بأن قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) جملة واحدة مركبة من شرط ، وهو إذا طلقتم النساء ، وجزاء ، وهو فلا تعضلوهن ، فإذا كان المخاطب بالشرط غير المخاطب بالجزاء يكون المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فيا أيها الأولياء لا تعضلوهن ، وفي هذا ما فيه من التفكيك الذي يجب أن ينزه عنه كلام الباري عز وجل.
والصحيح ان المخاطب بالشرط والجزاء واحد ، وهم المؤمنون جميعا ، لا الأزواج فقط ، ولا الأولياء فقط ، ولا هما معا ، بل كل المؤمنين ، وهذا كثير في كلامه جل جلاله ، ويكون المعنى يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم زوجته ، وانقضت عدتها ، وأرادت الزواج ثانية من زوجها الأول أو من غيره فلا تمنعوها منه ، ولا تقفوا في سبيلها إذا تراضيا بينهما بالمعروف ، أي عزما الزواج وثوابه على كتاب الله ، وسنة نبيه.
وقوله تعالى : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) يدل على ان للمرأة أن تزوج نفسها بمن ترضى به ، ويرضى بها من غير ولي.
وتقول : ان الآية الكريمة نفت الولاية على المطلقات ، ولم تتعرض للولاية على غيرهن لا نفيا ولا اثباتا ، وعليه فنفي الولاية في زواج الأبكار يحتاج الى دليل.
ونقول في الجواب : ان اثبات الولاية يحتاج الى دليل خاص ، أما نفيها فالدليل عليه الأصل في ان كل بالغ عاقل ذكرا كان أو أنثى يستقل في التصرف في نفسه ، ولا ولاية عليه لأحد إطلاقا كائنا من كان إلا إذا تجاوز حدود الله سبحانه.
(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ذلك اشارة الى ما ذكره تعالى من أحكامه المقرونة بالترغيب والترهيب ، ويوعظ به ، أي يتعظ به أهل الايمان الصحيح. أما غيرهم من ذوي الايمان المزيف ففي آذانهم وقر عن ذكر الله وأحكامه ، وموعظته وهديه .. وفي هذه الآية دلالة واضحة على انه لا ايمان بلا تقوى ، وان الايمان الصحيح لا ينفك أبدا عن الاتعاظ والعمل ، وان من لا يتعظ ولا ينتفع بأوامر الله فليس من الايمان في شيء.
(ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ). ذلك اشارة الى الاتعاظ والعمل بأحكام الله