اجرة الرضاعة ان كان له مال ، ولكن الأجرة شيء ، والنفقة بمعناها الصحيح شيء آخر.
والحق ان هذه الآية من المشكلات ، ولذا قال مالك : انها منسوخة ، كما نقل أبو بكر المالكي في كتاب أحكام القرآن ، وقد تخطاها بعض المفسرين ، وبعضهم نقل الأقوال فيها من غير ترجيح ، ووجه المشكلة ما بيناه ان الظاهر إذا بقي على ما هو لم يستقم المعنى ، ونعني بالظاهر تفسير الوارث بوارث الأب ، وتفسير (مثل ذلك) بنفقة الأم .. وان فسرنا الوارث بوارث الابن ، وفسرنا (مثل ذلك) باجرة الرضاعة يستقيم المعنى .. ولكن نخالف الظاهر باللفظين ، وهما الوارث ، ومثل ذلك .. ولكن لا سبيل غير مخالفة الظاهر وتأويله ، وغير بعيد أن تكون الأحاديث الواردة في الرضاع وأجرته صالحة للدلالة على صحة هذا التأويل.
(فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما). الفصال هو الفطام ، لأنه يفصل الولد عن أمه ، ويفصلها عنه ، والمعنى ان للوالدين أن يفطما الطفل قبل استيفاء الحولين ، أو بعدهما إذا تم هذا بالاتفاق والتشاور بينهما في مصلحة الطفل ، بل للأب أن يسلم طفله للمرضعة المأجورة ، والى هذا أشار سبحانه بقوله :
(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ). قوله : إذا سلمتم ما آتيتم خطاب للآباء ، والمعنى يا أيها الآباء ان الأم أحق بارضاع ولدها من الأجنبية ، ولها عليكم أجرة المثل ، فإذا أنتم سلمتم لها بهذا الحق ، وأيضا ضمنتم لها أجرة المثل عن الرضاعة ، وأبت هي بعد ذلك أن ترضعه الا بزيادة عما تستحق ، إذا كان كذلك فلا بأس عليكم حينئذ أن تسترضعوا لأولادكم المراضع الأجنبيات .. وقيل : إذا سلمتم وآتيتم ، معناه إذا أديتم للمراضع الأجنبيات الأجور المعروفة والمعتادة بين الناس فلا جناح عليكم.
ومهما يكن ، فان على الأب أن يؤدي لكل ذات حق حقها أما كانت أو ظئرا ، أي المرضعة لولد غيرها.