(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). فان المتبادر الى الفهم من هذه الآية ان الله سبحانه قد تدخل تدخلا مباشرا ومستمرا لنقل النطفة من طور الى طور ، مع العلم بأن النظرية العلمية تقول : ان النطفة تنمو وتتطور وفقا لقوانين طبيعية معينة؟.
ولا بد في الجواب من التمييز بين حادثة خارقة للطبيعة ، كإحياء الموتى ، وإيجاد شيء من لا شيء ، وبين حادثة تأتي وفقا لقوانين الطبيعة ، مثل كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، وما اليهما .. فما كان من النوع الأول يسند اليه سبحانه مباشرة ، وبلا واسطة ، وما كان من النوع الثاني يسند الى الأسباب الطبيعية مباشرة ، واليه تعالى بواسطتها ، لأنه هو الذي أوجد الطبيعة بما فيها من قوى وعناصر ، وهذه العناصر تتفاعل ، وتأخذ مجراها في ظواهر الكون .. وعليه يكون خلقه لهذه الظواهر ، ومنها تطور النطفة ، هو خلقه لأسبابها. (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أي يجريه من خلال السنن والقوانين الطبيعية ، ولو كان هو الذي يتولى خلقها مباشرة وبلا واسطة لما وجدت الأسباب والمسببات.
وبهذا يتبين معنا ان من يؤمن بأن كل حادثة طبيعية تستند الى الله مباشرة ، وبلا توسط سبب من الأسباب المحسوسة التي اكتشفها العلم ، ويمكن أن يكتشفها ، فهو جاهل مخطئ في إيمانه .. ولو صح إيمانه هذا لم يجب العمل لشيء ، ولا كان للعلم من جدوى ، ولا للمخترعات وتقدم الانسانية من أثر .. كما ان من يعتقد ان الطبيعة هي كل شيء ، وانها السبب الأول والأخير ، ولا شيء وراءها فهو أيضا جاهل مخطئ في اعتقاده ، والا لم يكن للنظام عين ولا أثر ، ولسادت الفوضى والاضطراب ، وتكون النتيجة لا علم ولا حياة. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٢١ من هذه السورة ، فقرة التوحيد.
(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ). السنة النعاس ، وهو الفتور الذي يتقدم النوم .. لما بيّن سبحانه انه الحي القيوم أكد ذلك بأنه تعالى لا يمنعه نوم ولا سهو ولا شيء عن تدبير خلقه على الوجه الأتم الأكمل ، لأن ذلك يتنافى مع عظمته