واستغنائه عن كل شيء .. قال الإمام علي (ع) مخاطبا ربه : «لسنا نعلم كنه عظمتك الا انّا نعلم انك حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، لم ينته اليك نظر ، ولم يدركك بصر ، أدركت الأبصار ، وأحصيت الأعمال ، وأخذت بالنواصي والاقدام».
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). المراد بما فيهما الكون كله ، لا يخرج منه شيء عن سلطانه وتدبيره .. سئل الإمام علي (ع) عن معنى لا حول ولا قوة الا بالله؟. فقال : انّا لا نملك مع الله شيئا ، ولا نملك الا ما ملكنا ، فمتى ملّكنا ما هو أملك به منا كلفنا ، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا.
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). جاء بصيغة الاستفهام ، ومعناه النفي والإنكار ، أي لا يشفع أحد عنده الا بأمره .. وهذا رد وإبطال لقول المشركين بأن الأصنام تقربهم الى الله زلفى ، قال تعالى حكاية عنهم : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ـ يونس ١٨». وتكلمنا عن الشفاعة عند تفسير الآية ٤٨. وقال بعض العارفين : ان الناس غدا على أصناف : منهم السابقون ، وهم المقربون ، ومنهم أصحاب اليمين ، وهم سعداء ناجون ، ومنهم أصحاب الشمال ، وهم أشقياء معاقبون ، ومنهم أهل العفو ، وهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، وهؤلاء تقبل الشفاعة فيهم ، لقوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ التوبة ١٠٣».
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ). المعنى ان الله سبحانه يعلم من عباده ما كان ويكون من خير وشر ، ويعلم الشافع والمشفوع له ، ومن يستحق العفو والثواب ، أو العذاب والعقاب ، وما دام الأمر كذلك فلا يبقى مجال للشفاعة إلا بأمره تعالى ضمن الحدود التي يرتضيها.
(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ). الضمير في لا يحيطون راجع الى جميع العباد بما فيهم الملائكة والأنبياء ، والمراد من العلم المعلوم ، كالخلق بمعنى المخلوق ، والأكل بمعنى المأكول .. والمعنى واضح ، وان شئت زيادة في التوضيح فاقرأ الآية ٢٦ من سورة الجنّ: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ