الإعراب :
ان تغمضوا المصدر المنسبك من ان وصلتها في موضع نصب مفعول من أجله لآخذيه ، والتقدير لستم بآخذيه إلا لاغماضكم.
المعنى :
بعد ان حث الله سبحانه في الآيات السابقة على الصدقة ، وبين ما يجب أن يتصف به المتصدق من الإخلاص لله في صدقته ، والبعد عن الرياء ، والمنّ والأذى ، بعد هذا أشار هنا الى صفة الصدقة ، وانها ينبغي أن تكون من جيد المال ، لا من رديئه ، وبذلك تكمل الصدقة من سائر جهاتها ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ). لو نظرنا الى ظاهر هذه الآية صارفين النظر عما جاء في السنة النبوية من بيان الواجبات المالية ، وتحديد نوعها ومقدارها ومصرفها ـ لو نظرنا الى الآية من حيث هي لاستفدنا منها ان في كل مال يكسبه الإنسان حقا لله ، يجب أن ينفق في سبيل مرضاته سبحانه ، على شريطة أن يكون الإنفاق من جيد ما يملك ، لا من رديئه ، وأصرح من هذه الآية قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ـ آل عمران ٩٢».
وهذا الإنفاق يجب في كل مال سواء أكان مصدره الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو الهدية أو الإرث أو الغوص أو المعدن ، أو أي شيء آخر .. هذا ما تدل عليه ألفاظ الآية ، لأن الإنفاق جاء بصيغة الأمر ، وهو يدل على الوجوب وقوله : (مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) يشمل جميع المكاسب ، وقوله : (مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يشمل النبات والمعدن والبترول ، ولكن السنة النبوية ـ وهي تفسير وبيان للقرآن ، بخاصة ما يتصل بآيات الأحكام الشرعية ـ قد حددت الواجب المالي زكاة كان أو خمسا ، أو نذورات أو كفارات ، وبينت المقدار والمصرف .. وقد تعرض الفقهاء لكل ذلك بالتفصيل في باب الزكاة والخمس والكفارات والنذورات .. وعليه تكون الآية واردة لمجرد تشريع الإنفاق ورجحانه ، تماما كقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).