(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ). أي لا تقصدوا الرديء من أموالكم فتنفقوا منه .. وقيل في سبب نزول الآية : ان بعض المسلمين كانوا يأتون بصدقتهم من حشف التمر ، أي رديئه ، وهذه الجملة ، وهي لا تيمموا الخبيث تأكيد للجملة الأولى ، وهي أنفقوا من طيبات ، ومجمل المعنى : أنفقوا من الجيد دون الرديء.
وأفتى الفقهاء في من يملك نوعا من المال ، بعضه جيد ، وبعضه رديء ، أفتوا بأنه لا يجوز لهذا أن يخرج حق الله من القسم الرديء ، وعليه أن يخرجه من وسط الجيد ، وان اختار الأعلى فأفضل ، وبالأولى أن لا يكفي الرديء إذا كان جميع المال جيدا .. أجل ، يجوز الإخراج من الرديء إذا كان المال كله كذلك ، لأن الحق يتعلق بالعين الخارجية ، لا بالذمة.
(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ). ان المنصف يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .. فإذا كان له مال جيد على غيره فلا يقبل الرديء بدلا عنه الا إذا أغمض وتنازل ، اذن يلزمه ـ والحال هذه ـ إذا كان عليه مال جيد أن لا يدفع الرديء بدلا عنه الا إذا أغمض صاحب الحق وتسامح ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ). فهذا حجة بالغة على من يتصدق بالرديء ، مع انه لا يستوفيه بدلا عن الجيد الا إذا تساهل هو وتسامح ، قال الإمام علي (ع) : كما تدين تدان.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ). معنى وعد الشيطان بالفقر ان يحرض بالوسوسة على الحرص والشح والتكالب ، وان يخوف من الإنفاق بأنه يؤدي الى الفقر وسوء الحال ، ومعنى أمره بالفحشاء أن يغري بوسوسته بارتكاب المعاصي ، وترك الطاعات ، ومنها البخل والشح.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً). لقد وعد الله سبحانه من ينفق الجيد من ماله ابتغاء مرضاته سبحانه ، وعد هذا في كتابه وعلى لسان نبيه بأمرين : الأول أن يكفر عنه الكثير من الخطايا ، قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) ـ التوبة ١٠٤». الثاني أن يخلف على المنفق خيرا مما أنفق ، قال تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ـ سبأ ٣٩».