(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ). ولا موجب لاعلان الحرب من الله ورسوله على من أصر على أكل الربا الا انه كافر ، أو بحكم الكافر ، حتى ولو أكله تهاونا لا جحودا .. ولكن الروايات عن المعصوم قسمت أكل الربا الى نوعين : الأول من يأكله مستحلا له ، وهذا كافر من غير شك ، لأنه قد أنكر ما ثبت بضرورة الدين. قبل للإمام جعفر الصادق (ع) : ان فلانا يأكل الربا ويسميه اللبأ. قال : لئن أمكنني الله منه لأضربن عنقه. النوع الثاني : ان يأكله تهاونا بحكم الله ، مع الايمان بتحريمه ، وهذا يستتاب أولا وثانيا فان أصر يقتل. فعن الإمام الصادق (ع) : «آكل الربا يؤدب بعد البينة ، فان عاد أدب ، فان عاد قتل». وقيل : يقتل في الرابعة.
(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ). أي لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال ، ولا تظلمون أنتم بنقصان رأس المال.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ). كل مدين سواء استدان بالربا ، أو بدونه لا تجوز مضايقته ، إذا كان معسرا ، كما لا يجوز للمدين الموسر أن يماطل بالوفاء ، قال رسول الله (ص) : «كما لا يحل لغريمك أن يمطلك ، وهو موسر كذلك لا يحل لك أن تعسره ـ أي تضايقه ـ إذا كان معسرا».
وحدّ المعسر الذي لا تجوز مضايقته في الشريعة الاسلامية هو الذي لا يملك الا دار سكناه ، وما تدعو اليه الضرورة كثيابه وكتبه وأثاث بيته اللازمة لحياته ، وأدوات الصناعة التي يكتسب منها قوته ، ومؤنة يوم واحد له ولعياله ، كل هذه لا يجب بيعها لقضاء الدين. وذكرنا مستثنيات الدين مفصلا في الجزء الخامس من فقه الإمام جعفر الصادق (ع) ، فصل المفلس.
(وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). ليس من شك ان إبراء المعسر من الدين فضيلة ، بل ومن أعظم الطاعات ، لأن فيه تنفيسا لكربته ، وقضاء لحاجته ، وقد جاء في الحديث : «من انظر معسرا ، أو وضع عنه أظلّه الله تحت ظله يوم لا ظل الا ظله».
واتفق الفقهاء كلمة واحدة على ان من استدان في غير معصية ، ثم عجز عن الوفاء تسدد ديونه من بيت المال ، قال الإمام جعفر الصادق (ع) : «من طلب هذا الرزق من حله ، ليعود به على نفسه ، وعلى عياله كان كالمجاهد