طاعة له فان الله سبحانه يشمله بعنايته ، ويغنيه بحلاله عن حرامه ، لأنه ترك الحرام توكلا على الله ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
(وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). معناه ان الذين لا يأتمرون بأمر الله ، ولا ينتهون بنهيه ، يستمرون على أكل الربا عنادا واستخفافا فهم مخلدون في النار ، لأن مثل هذا العناد والإصرار لا يصدر إلا عن كافر جاحد.
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ). المحق هو النقصان ، والربا الزيادة ، والمعنى ان المرابي طلب المزيد في ماله ، ولكن الربا في الحقيقة نقصان للمال ، حيث يصبح رجسا محرما ، والحرام يخرج المال عن المالك ، ويجعل تصرف المرابي فيه كتصرف الغاصب في المال المغصوب ، هذا بالاضافة الى الإثم والعذاب ، وبديهة ان كل ما كان سببا لغضب الله وعذابه فهو رجس ونقصان ، وعمل من وحي الشيطان.
أما الصدقة فإنها تطهر المال وتزكيه ، وتثبته على ملك المتصدق والمزكي ، وتستدعي مرضاة الله وثوابه ، وهذا هو عين الكمال والزيادة .. وبكلمة ان كثير المال الحرام قليل ، وقليل المال الحلال كثير .. (والكفار الأثيم) هو الذي يتمادى في أكل الربا ، لا يرتدع عنه ، وكذا من يتمادى في ترك الزكاة ، ولا يكترث بتهديد الله ووعيده.
واستنادا الى هذه الآية يصح القول : ان أكثر المنتمين الى الإسلام في هذا العصر كفار آثمون ، لتماديهم في أكل الربا ، وترك الخمس والزكاة.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). هذه الآية ظاهرة المعنى لا تحتاج الى تفسير ، ومع هذا فقد مر تفسيرها في الآية ٢٥ و ٨٢ .. وانما أعاد الله سبحانه هذا الوعد اطرادا في ذكر الوعد بعد الوعيد ، وبالعكس ، ولما بالغ هنا في وعيد المرابين اتبعه بوعد الصالحين .. وتجمل الاشارة إلى أن ظاهر الآية يدل على ان الايمان النظري مجردا عن العمل ليس بشيء.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حقا في قلوبكم. وقوله : ذروا ما بقي من الربا يشعر بأن التحريم ليس له مفعول رجعي ، كما أشرنا.