ان الشيطان لا يمس أحدا ، ولا سلطان له على أحد في الخبل والصرع ، وانما القصد مجرد التشبيه والتقريب لأذهان العرب الذين يقولون عمن يصاب بالصرع : مسه الشيطان .. ومعنى الآية ان حال الذين يتعاملون بالربا ، تماما كحال المجنون والمصروع الذي يخبط في تصرفاته خبط عشواء ، وروي عن ابن عباس : ان المرابين يقومون من قبورهم غدا كالمصروعين ، ويكون ذلك امارة لأهل الموقف على انهم اكلة الربا.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا). ذلك اشارة الى استحلالهم للربا ، وقد فلسفوه بأن البيع والربا متماثلان من جميع الوجوه ، فكيف يكون البيع حلالا دون الربا؟!. أليس للإنسان أن يبيع ما يساوي خمسة دراهم بستة ، وان يبيع ما يساوي درهما معجلا بدرهمين مؤجلين؟ .. اذن ، ينبغي أن يسمح له بإعطاء عشرة دراهم بأحد عشر الى شهر ، والفرق تحكم في نظر العقل.
ورد الله سبحانه هذا الزعم بقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). ووجه الرد ان مجرد تماثلهما في الظاهر لا يستدعي أن يكونا كذلك في الواقع ، فان البيع عملية تجارية نافعة ، والبائع يقوم بدور الوسيط بين المنتج والمستهلك ، فيكون ربحه عوضا عن أتعابه ، وليس أكلا للمال بالباطل ، أما الربا فهو استغلال محض ، وأخذ للزيادة من غير مقابل ، فيكون أكلا للمال بالباطل .. ومن أجل هذا أحل الله البيع ، وحرم الربا .. فاختلافهما حكما عند الله دليل على اختلافهما واقعا ، وكذلك العكس.
(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ). أي من كان قد أخذ الربا قبل أن ينزل به التحريم ، ثم تركه بعد التحريم لا يكلّف رده الى من أخذه منه ، وكذلك من يسلم الآن ، فان كان قد أخذ الربا قبل إسلامه لا يجب عليه الرد بعد ان يسلم ، فهذه الآية ، تماما كقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).
ومبدأ عدم المفعول الرجعي للقانون أخذ به التشريع الجديد في موارد كثيرة ، بخاصة في الأمور المالية ، وعللوه بأنه يحدث هزة اقتصادية يصعب تلافيها.
(وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ). ذكروا في تفسير العبارة وجوها لم تركن النفس اليها. والذي فهمناه نحن ان من أخذ الربا جهلا بحكمه ، وتركه بعد أن علم نهي الله عنه