والحديث الشريف : «إذا دعاك الرجل ، لتشهد له على حق أو دين فلا يسعك أن تتقاعس عنه».
(وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ). السأم الملال ، والضمير في تكتبوه يعود الى الدين أو الحق ، والقصد هو الحث على كتابة الدين من غير فرق بين قليله وكثيره ، ما دام الغرض التحفظ من وقوع النزاع والخلاف.
(ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا). أي ان كتابة الدين والاشهاد عليه أعدل وأبلغ في الاستقامة وأقرب الى نفي الشك والارتياب.
وتسأل : ان الله سبحانه أمر بالكتابة أولا في قوله : (فَاكْتُبُوهُ) وثانيا : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ). وثالثا أشار الى الحكمة من ذلك بأن الكتابة أقسط وأقوم وأدنى ، ومع كل هذا فقد أفتى الفقهاء باستحباب الكتابة ، لا بوجوبها ، لسيرة المسلمين القطعية منذ الصدر الأول ، حتى اليوم ، ونحن معهم في ذلك ، ولكن هناك شيء آخر غير كتابة الدين ، والاشهاد عليه ، وهو ان الفقهاء قد أوجبوا على القاضي أن يحكم بموجب البينة العادلة ، حتى ولو لم يحصل له العلم منها ، وما ذاك إلا تعبدا بالنص .. ولكن الفقهاء لم يعتبروا الكتابة وسيلة من وسائل الإثبات كالبينة ، وقالوا : لا يجوز الحكم بموجبها الا إذا أوجبت العلم أو الاطمئنان .. ألا يدل هذا الأمر المتكرر بالكتابة على انها طريق لاثبات الحق ، ولو بالدلالة الالتزامية؟ ..
الجواب : ان الأمر بكتابة الدين صونا للحق الثابت شيء ، واعتبار البينة العادلة طريقا لاثبات الحق شيء آخر ، ومن هنا يجب الحكم بموجب البينة ، سواء أقرّ بها المحكوم عليه ، أو أنكرها ، أما الكتابة فلا بد من سؤال المدعى عليه عنها ، فان أقر بها دخلت في باب الإقرار ، وان أنكرها احتاج إثباتها الى وسيلة من وسائل الإثبات كالبينة أو اليمين أو الاختبار والمقابلة بينها وبين خط الكاتب ، وعليه فلا تكون الكتابة وسيلة مستقلة بذاتها ، كما هو الشأن في البينة.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها). المصدر من ان وصلتها في محل نصب على الاستثناء المنقطع ، لأن الكلام المتقدم كان في كتابة الدين المؤجل ، والكلام هنا في التجارة الحاضرة ، واباحة عدم كتابتها ، ومعنى التجارة الحاضرة البيع بثمن معجل ، لا مؤجل ، ومعنى تديرونها