بينكم تتناقلونها من يد إلى يد ، فيأخذ البائع الثمن من المشتري ، ويأخذ المشتري المثمن من البائع ، وينتقل بذلك ما كان في يد كل الى ملك الآخر.
ومحصل المعنى من مجموع الكلام انه لا بأس عليكم بترك الكتابة في المعاملات التجارية التي تقع بينكم بثمن معجل ، أما السر لاباحة ترك الكتابة في ذلك فلأن مثل هذا البيع المعروف ببيع المعاطاة يجري كثيرا بين الناس ، فلو كلفوا بكتابة الصكوك لكل المبيعات لشق الأمر عليهم ، بخاصة في الأشياء الصغيرة.
وكيف كان ، فان المسائل التجارية يوكل الشارع الأقدس أمرها الى الناس يديرونها بينهم حسبما تستدعيه مصالحهم ، فان كانت المصلحة في الكتابة والتسجيل فعلوا ، كما هو شأنهم في بيع العقارات ، وغيرها من المنقولات الثمينة كالسيارات ، وما اليها ، وان كانت المصلحة في ترك الكتابة تركوها ، كما هي عادتهم في بيع المأكول والملبوس .. وإذا أمر الله بكتابة الدين والبيع ، أو رخص بتركها فإنما يأمر استحبابا وإرشادا إلى ما يجنبهم المشاكل والمتاعب .. أجل ، انه تعالى ينهاهم تحريما عن الغش والتغرير ، والربا والاستغلال ، وأكل المال بالباطل من غير عوض ومقابل.
وتسأل : ان نفي الجناح عن ترك كتابة التجارة الحاضرة يشعر بأن ترك كتابة الديون فيه جناح ، وعليه تكون كتابة الديون واجبة خلافا لما عليه الفقهاء الذين قالوا باستحبابها ، لا بوجوبها.
الجواب : ان المراد بقوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) نفي البأس والمضرة الدنيوية ، لا نفي الإثم والمضرة الاخروية ، كي يكون الأمر بكتابة الديون للوجوب.
(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ). اتفق الفقهاء على ان الاشهاد على البيع ندب ، لا فرض إلا الظاهرية ، فإنهم قالوا بأنه فرض ، لا ندب عملا بظاهر اللفظ. (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ). إذا اتفق المتبايعان على الكتابة والاشهاد في الدين أو البيع فعلى الكاتب أن يكتب بالعدل ، وعلى الشاهد أن يشهد بالحق .. وتقدم الكلام عن لفظ لا يضار واعرابه في الآية ٢٣٣ ، وهو قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها).
(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ). الفسوق هو الخروج عن طاعة الله ، وكل من