وحاصل معنى النهي في الآية أنّه : إمّا نهي تنزيه لتربية المؤمنين على أن لا يشغلوا نفوسهم بما لا قبل لهم بنواله ضرورة أنّه سمّاه تمنّيا ، لئلا يكونوا على الحالة التي ورد فيها حديث : «يتمنى على الله الأماني» ، ويكون قوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) إرشاد إلى طلب الممكن ، إذ قد علموا أنّ سؤال الله ودعاءه يكون في مرجوّ الحصول ، وإلّا كان سوء أدب.
وإمّا نهي تحريم ، وهو الظاهر من عطفه على المنهيات المحرّمة ، فيكون جريمة ظاهرة ، أو قلبية كالحسد ، بقرينة ذكره بعد قوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩].
فالتمنّي الأوّل والرابع غير منهي عنهما ، وقد ترجم البخاري في صحيحه «باب تمني الشهادة في سبيل الله وباب الاغتباط في العلم والحكمة» ، وذكر حديث : «لا حسد إلّا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها الناس».
وأمّا التمنّي الثاني والثالث فمنهي عنهما لأنّهما يترتّب عليهما اضطراب النفس وعدم الرضا بما قسم الله والشكّ في حكمة الأحكام الشرعية.
وأمّا التمنّي الخامس والسادس فمنهي عنهما لا محالة ، وهو من الحسد ، وفي الحديث «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها» ، ولذلك نهي عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ، إلّا إذ كان تمنّيه في الحالة الخامسة تمنّي حصول ذلك له بعد من هي بيده بحيث لا يستعجل موته. وقد قال أبو بكر ، لمّا استخلف عمر ، يخاطب المهاجرين : «فكلّكم ورم أنفه يريد أن يكون له الأمر دونه».
والسادس أشدّ وهو شرّ الحسدين إلّا إذا كان صاحب النعمة يستعين به على ضرّ يلحق الدين أو الأمّة أو على إضرار المتمنّي.
ثم محلّ النهي في الآية : هو التمنّي ، وهو طلب ما لا قبل لأحد بتحصيله بكسبه ، لأنّ ذلك هو الذي يبعث على سلوك مسالك العداء ، فأمّا طلب ما يمكنه تحصيله من غير ضرّ بالغير فلا نهي عنه ، لأنّه بطلبه ينصرف إلى تحصيله فيحصل فائدة دينية أو دنيوية ، أمّا طلب ما لا قبل له بتحصيله فإن رجع إلى الفوائد الأخروية فلا ضير فيه.
وحكمة النهي عن الأقسام المنهي عنها من التمنّي أنّها تفسد ما بين الناس في