مهينا وأعتدنا ذلك للكافرين أمثالهم ، وتكون جملة : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) معطوفة أيضا على جملة (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) محذوفة الخبر أيضا ، يدلّ عليه قوله : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) إلخ. والتقدير : والذين ينفقون أموالهم رثاء الناس قرينهم الشيطان. ونكتة العدول إلى العطف مثل نكتة ما قبلها.
ويجوز أن يكون (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بدلا من (من) في قوله : (مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) [النساء : ٣٦] فيكون قوله : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) معطوفا على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ، وجملة (وَأَعْتَدْنا) معترضة. وهؤلاء هم المشركون المتظاهرون بالكفر ، وكذلك المنافقون.
والبخل ـ بضمّ الباء وسكون الخاء ـ اسم مصدر بخل من باب فرح ، ويقال البخل ـ بفتح الباء والخاء ـ وهو مصدره القياسي ، قرأه الجمهور ـ بضم الباء ـ وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بفتح الباء والخاء ـ.
والبخل : ضدّ الجود وقد مضى عند قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) في سورة آل عمران [١٨٠]. ومعنى و (يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يحضّون الناس عليه ، وهذا أشدّ البخل ، قال أبو تمّام :
وإنّ امر أضنّت يداه على امرئ |
|
بنيل يد من غيره لبخيل |
والكتمان : الإخفاء. و (ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يحتمل أنّ المراد به المال ، كقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران : ١٨٠] ؛ فيكون المعنى : أنّهم يبخلون ويعتذرون بأنّهم لا يجدون ما ينفقون منه ، ويحتمل أنّه أريد به كتمان التوراة بما فيها من صفة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فعلى الاحتمال الأوّل يكون المراد بالذين يبخلون : المنافقين ، وعلى الثاني يكون المراد بهم : اليهود ؛ وهذا المأثور عن ابن عباس. ويجوز أن تكون في المنافقين ، فقد كانوا يأمرون الناس بالبخل (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون : ٧]. وقوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ، عقبه ، يؤذن بأنّ المراد أحد هذين الفريقين. وجملة : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) معترضة.
وأصل و (أَعْتَدْنا) أعددنا ، أبدلت الدال الأولى تاء ، لثقل الدالين عند فكّ الإدغام باتّصال ضمير الرفع ، وهكذا مادّة أعدّ في كلام العرب إذا أدغموها لم يبدلوا الدال بالتاء