المعرض على الحاكم عدم إصابته حكم الله تعالى ، أو عدم العدل في الحكم. وقد كره العباس وعليّ حكم أبي بكر وحكم عمر في قضية ما تركه النبي صلىاللهعليهوسلم من أرض فدك ، لأنّهما كانا يريان أنّ اجتهاد أبي بكر وعمر في ذلك ليس من الصواب. وقد قال عينية بن حصن لعمر : «إنّك لا تقسم بالسوية ولا تعدل في القضية» فلم يعد طعنه في حكم عمر كفرا منه. ثم إنّ الإعراض عن التقاضي لدى قاضي يحكم بشريعة الإسلام قد يكون للطعن في الأحكام الإسلامية الثابت كونها حكم الله تعالى ، وذلك كفر لدخوله تحت قوله تعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا) [النور : ٥٠] ؛ وقد يكون لمجرّد متابعة الهوى إذا كان الحكم المخالف للشرع ملائما لهوى المحكوم له ، وهذا فسوق وضلال ، كشأن كلّ مخالفة يخالف بها المكلّف أحكام الشريعة لاتّباع الأعراض الدنيوية ، وقد يكون للطعن في الحاكم وظنّ الجور به إذا كان غير معصوم ، وهذا فيه مراتب بحسب التمكّن من الانتصاف من الحاكم وتقوميه ، وسيجيء بيان هذا عند قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) في سورة العقود [٤٤].
ومعنى (شَجَرَ) تداخل واختلف ولم يتبيّن فيه الإنصاف ، وأصله من الشجر لأنه يلتفّ بعضه ببعض وتلتفّ أغصانه. وقالوا : شجر أمرهم ، أي كان بينهم الشرّ. والحرج : الضيق الشديد (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ١٢٥].
وتفريع قوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية على ما قبله يقتضي أنّ سبب نزول هذه الآية هو قضية الخصومة بين اليهودي والمنافق ، وتحاكم المنافق فيها للكاهن ، وهذا هو الذي يقتضيه نظم الكلام ، وعليه جمهور المفسّرين ، وقاله مجاهد ، وعطاء ، والشعبي.
وفي «البخاري» عن الزبير : أحسب هذه الآية نزلت في خصومة بيني وبين أحد الأنصار في شراج من الحرّة (أي مسيل مياه جمع شرج ـ بفتح فسكون ـ وهو مسيل الماء يأتي من حرّة المدينة إلى الحوائط التي بها) إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال رسول الله : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فقال الأنصاري : لأن كان ابن عمّتك. فتغيّر وجه النبيصلىاللهعليهوسلم وقال : اسق يا زبير حتّى يبلغ الماء الجدر ثم أرسل إلى جارك واستوف حقّك (والجدر هو ما يدار بالنخل من التراب كالجدار) فكان قضاؤه الأوّل صلحا ، وكان قضاؤه الثاني أخذا بالحقّ ، وكأنّ هذا الأنصاري ظنّ أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أراد الصلح بينهم على وجه فيه توفير لحقّ الزبير جبرا لخاطره ، ولم ير في ذلك ما ينافي العصمة ، فقد كان الصحابة متفاوتين في العلم بحقائق صفات الرسول مدفوعين في سبر النفوس بما اعتادوه من