الوجه تصلح لأن تكون تحريضا للمؤمنين على امتثال الرسول وانتفاء الحرج عنهم من أحكامه ، فإنّه لم يكلّفهم إلّا اليسر ، كلّ هذا محمول على أنّ المراد بقتل النفوس أن يقتل أحد نفسه بنفسه.
وعندي أنّ ذكر ذلك هنا من براعة المقطع تهيئة لانتقال الكلام إلى التحريض على الجهاد الآتي في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء : ٧١] وأنّ المراد ب (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) : ليقتل بعضكم بعضا فإنّ المؤمنين يقاتلون قومهم وأقاربهم من المشركين في الجهاد المأمور به بدليل قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) الآية. والمراد بالخروج من الديار الهجرة ، أي كتبنا عليهم هجرة من المدينة ، وفي هذا تنويه بالمهاجرين والمجاهدين.
وقرأ الجمهور (إِلَّا قَلِيلٌ) ـ بالرفع ـ على البدل من الواو في (ما فَعَلُوهُ) على الاستثناء. وقرأه ابن عامر ـ بالنصب ـ على أحد وجهي الاستثناء من الكلام المنفي.
ومعنى (ما يُوعَظُونَ بِهِ) علم من قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) [النساء : ٦٣] ، أي ما يؤمرون به أمر تحذير وترقيق ، أي مضمون ما يوعظون لأنّ الوعظ هو الكلام والأمر ، والمفعول هو المأمور به ، أي لو فعلوا كلّ ما يبلّغهم الرسول ، ومن ذلك الجهاد والهجرة. وكونه خيرا أنّ فيه خير الدنيا لأنّ الله يعلم وهم لا يعلمون.
ومعنى كونه (أَشَدَّ تَثْبِيتاً) يحتمل أنّه التثبيت على الإيمان وبذلك فسّروه ويحتمل عندي أنّه أشدّ تثبيتا لهم ، أي لبقائهم بين أعدائهم ولعزّتهم وحياتهم الحقيقية فإنّهم إنّما يكرهون القتال استبقاء لأنفسهم ، ويكرهون المهاجرة حبّا لأوطانهم ، فعلّمهم الله أنّ الجهاد والتغرب فيه أو في غيره أشدّ تثبيتا لهم ، لأنّه يذود عنهم أعداءهم ، كما قال الحصين بن الحمام :
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد |
|
لنفسي حياة مثل أن أتقدّما |
وممّا دلّ على أنّ المراد بالخير خير الدنيا ، وبالتثبيت التثبيت فيها ، قوله عاطفا عليه (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً).
وجملة (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا) معطوفة على جواب (لو) ، والتقدير : لكان خيرا وأشدّ تثبيتا ولآتيناهم إلخ ، ووجود اللام التي تقع في جواب (لو) مؤذن بذلك. وأمّا واو العطف فلوصل الجملة المعطوفة بالجملة المعطوف عليها. وأمّا (إذن) فهي حرف جواب