وانتصب (ثُباتٍ) على الحال ، لأنّه في تأويل : متفرّقين ، ومعنى (جَمِيعاً) جيشا واحدا.
وقوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) أي من جماعتكم وعدادكم ، والخبر الوارد فيهم ظاهر منه أنّهم ليسوا بمؤمنين في خلوتهم ، لأنّ المؤمن إن أبطأ عن الجهاد لا يقول : «قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا» ، فهؤلاء منافقون ، وقد أخبر الله عنهم بمثل هذا صراحة في آخر هذه السورة بقوله : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إلى ىقوله : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٣٨ ـ ١٤١]. وعلى كون المراد ب (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) المنافقين حمل الآية مجاهد ، وقتادة ، وابن جريج. وقيل : أريد بهم ضعفة المؤمنين يتثاقلون عن الخروج إلى أن يتّضح أمر النصر. قال الفخر «وهذا اختيار جماعة من المفسرين» وعلى هذا فمعنى و (مِنْكُمْ) أي من أهل دينكم. وعلى كلا القولين فقد أكّد الخبر بأقوى المؤكّدات لأنّ هذا الخبر من شأنه أن يتلقى بالاستغراب. وبطّأ ـ بالتضعيف ـ قاصر ، بمعنى تثاقل في نفسه عن أمر ، وهو الإبطاء عن الخروج إبطاء بداعي النفاق أو الجبن. والإخبار بذلك يستتبع الإنكار عليه ، والتعريض به ، مع كون الخبر باقيا على حقيقته لأنّ مستتبعات التراكيب لا توصف بالمجاز.
وقوله : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) تفريع عن (لَيُبَطِّئَنَ) ، إذ هذا الإبطاء تارة يجرّ له الابتهاج بالسلامة ، وتارة يجرّ له الحسرة والندامة.
و (المصيبة) اسم لما أصاب الإنسان من شرّ ، والمراد هنا مصيبة الحرب أعني الهزيمة من قتل وأسر.
ومعنى (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَ) الإنعام بالسلامة : فإن كان من المنافقين فوصف ذلك بالنعمة ظاهر ؛ لأنّ القتل عندهم مصيبة محضة إذ لا يرجون منه ثوابا ؛ وإن كان من ضعفة المؤمنين فهو قد عدّ نعمة البقاء أولى من نعمة فضل الشهادة لشدّة الجبن ، وهذا من تغليب الداعي الجبليّ على الداعي الشرعي.
والشهيد على الوجه الأوّل : إمّا بمعنى الحاضر المشاهد للقتال ، وإمّا تهكّم منه على المؤمنين مثل قوله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)[المنافقون : ٧] ؛ وعلى الوجه الثاني الشهيد بمعناه الشرعي وهو القتيل في الجهاد. وأكّد قوله : (وَلَئِنْ